فيها حاجة حلوة.. كيس شيبسي يضع “هايدي” على ترند السوشيال ميديا
بقلم: د. سامية دسوقي – خبيرة إعلام الطفل
لم تكن هايدي محمد أحمد، الطفلة البالغة من العمر أحد عشر عامًا، ببراءتها وفطرتها السليمة، تتوقع يومًا أن تصبح بطلة لقصة إنسانية تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتحول إلى ترند حديث الناس في مصر وخارجها.
خرجت “هايدي “مثل أي طفلة، تحمل رغبتها البسيطة في شراء كيس “شيبسي”، لكن القدر شاء أن تصادف رجلًا شعرت أنه في حاجة إلى المساعدة، دون أن يطلب منها شيئًا.
هنا تجلت الفطرة النقية، إذ أعادت الكيس إلى مكانه، وآثرت أن تعطي الرجل ما كان معها من نقود، على بساطتها. كان ذلك الموقف البسيط في ظاهره، عظيمًا في جوهره، حيث جسّد قيمة الرحمة والإيثار التي تربينا عليها، والتي عبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ [الحشر: 9].
اللافت أن صاحب المحل، وقد أُعجب بما فعلت الطفلة، عرض عليها أن يمنحها كيس شيبسي آخر مجانًا، مكافأة لها، لكنها رفضت بحسّ طفولي بريء، خشية أن يضيع ثوابها عند الله.
عادت الطفلة إلى منزلها، دون أن تدري أن كاميرات المراقبة في المحل وثّقت الموقف، وأن نشر هذا الفيديو القصير سيجعلها في صدارة اهتمامات الناس، ويحوّلها إلى أيقونة للبراءة والرحمة على مواقع التواصل.
براءة الطفولة.. بين الفطرة والواقع
ما أروع براءة الأطفال حين تنبض بها الفطرة السليمة! يولد الطفل على الفطرة، فإذا ما تعرض لتشوهات في التربية أو ضغوط سلبية من المجتمع، انحرفت تلك الفطرة وأثرت على سلوكياته.
لقد شاهدنا في السنوات الأخيرة بعض حوادث العنف التي ارتكبها أطفال، وهي حالات فردية صدمتنا جميعًا، لكنها لا تنفي أن الأصل في الطفولة هو النقاء، كما جسدته هايدي في قصتها الإنسانية.
تكريم ورسالة أمل
جاء تكريم المجلس القومي للطفولة والأمومة للطفلة ليؤكد أهمية إبراز النماذج الإيجابية بين الأطفال،حيث استقبلت الدكتورة سحر السنباطي، رئيسة المجلس، الطفلة وأسرتها بحفاوة، وقدمت لها درع المجلس وهدايا رمزية، ونصبتها “سفيرة المجلس للرحمة والإيثار”.
لم يكن التكريم مجرد احتفاء بلحظة عابرة، بل رسالة قوية بأن القيم النبيلة لا تزال موجودة، وأن المجتمع بحاجة إلى دعمها وتعزيزها في نفوس النشء.
إن هذا الموقف البسيط يذكرنا بأن الأطفال هم بالفعل أمل المستقبل، وأن بناء وعيهم مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة، المؤسسة التربوية الأولى، وتمتد إلى المدارس والجامعات والإعلام والثقافة، وكل مؤسسات المجتمع.
ترند مختلف وسط السيل السلبي
في السنوات الأخيرة، أغرقتنا مواقع التواصل الاجتماعي بـ”ترندات” سلبية، معظمها أحداث صادمة أو مشاهد عنف وتنمر، حتى بدا وكأن الخير قد اختفى من بين الناس، لكن موقف هايدي كان بمثابة التقاط أنفاس وسط هذا السيل المظلم، كما جاء في قوله تعالى: ﴿فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾.
فقد أثبت هذا الموقف أن الخير لا يزال حاضرًا، وأن الرحمة والإيثار قيم أصيلة في المجتمع،كما أكد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم الدين”.
مواقع التواصل.. بين السلب والإيجاب
لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فهي حين تسلط الضوء على النماذج السلبية، تساهم في انتشارها وتقليدها، لكنها حين تبرز القيم النبيلة، كما في قصة الطفلة ، فإنها تعيد إحياء تلك القيم وترسخها في الوعي الجمعي. ومن هنا، يصبح دور الإعلام الإلكتروني محوريًا في إعادة التوازن، والتمسك بما يميز مجتمعنا من قيم أصيلة.
قضية تستحق النقاش
ورغم إيجابية “ترند” إلا أنه يثير سؤالًا مهمًا: هل يحق لأي شخص نشر فيديوهات لآخرين من دون إذن مسبق؟ هذه قضية تحتاج إلى مناقشة جادة من جانب المتخصصين، خصوصًا في ظل ما نشهده من انتهاك متكرر للخصوصية عبر منصات التواصل.
وهنا يبرز الدور التشريعي في وضع الضوابط والمعايير التي تضمن حماية الأفراد والمجتمع، وتحافظ على القيم والأمان الاجتماعي.
كلمة أخيرة
تحية من القلب للطفلة، ولأسرتها الأصيلة التي غرست فيها قيم البذل والعطاء والإيثار، لتكون نموذجًا يُحتذى في التنشئة السليمة.
إن ما فعلته تلك الطفلة لم يكن مجرد موقف عابر لطفلة، بل كان رسالة قوية إلى مجتمع بأكمله، أن القيم الجميلة ما زالت حيّة في قلوب أبنائه.





