وعملت ايه فينا الشاشات والسنوات !!!

بقلم د.سامية دسوقى:خبيرة إعلام الطفل
طوال شهر سبتمبر الماضى حدث عطل بالسيارة التى توصلنى إلى مقر عملى ذهابا وعودة ؛ ولأول مرة يستمر هذا العطل هذه الفترة من اول التحاقى بالعمل ؛ وعلى الرغم أنى احسست بثقل هذا الشهر لمدى التعب الذى مررت به خلاله بسبب المعاناة التى تكبدتها فى الطريق ولطول المسافة بين بيتى ومكان عملى وتنوع السيارات التى استقلها كل يوم بين سيارة زوجى والمترو والمواصلات العامة؛ لكنى ولندرة ركوبى للمواصلات كلما ركبت المترو أو ميكروباص أجدنى أتأمل بعض المواقف التى رايتها من البعض سواء كان من السائقين مابين طيب وغير ذلك؛ ومابين مستغل يقطع الطريق إلى مسافات ليجنى بضعة جنيهات زيادة عن المعتاد ومن عنده ضمير يرأف لحال الناس ؛ ومواقف عديدة من الركاب.
ومن الطريف انى شاهدت نفس الموقف الذى تكرر فى يومين متتاليين،(الموقف الأول) كان فى المترو لسيدة متوسطة العمر تفترش أرضية المترو المكيف وما أن جلست السيدة بعربة القطار امسكت بتلابيب الموبايل حتى آخر محطات القطار؛ واخذت تتحدث لطرف اخر وكأنها الوحيدة بالقطار وبأعلى نغمة رنين لديها حتى لاحظت هى أحد الشباب من الطلاب ينظر لها بشىء من الامتعاض من ارتفاع صوتها ومن القصص التى ترويها للطرف الآخر معها ؛ فراحت تتشاحن مع هذا الشاب لهذا السبب ؛ فما كان من السيدة الطيبة الجالسة بجوارى تعلق على هذا الحوار : بأن الموبايل خرب الدنيا وخرب فلوس الأسر وعقول الناس والأطفال وأنه ياريتنا نرجع زى زمان .
لاردد قائلة: “فعلا لم يعد بالإمكان العودة إلى زمان على رأى السيدة أم كلثوم وعايزنا نرجع زى زمان قول للزمان ارجع يازمان” .
وفى اليوم التالى لهذا الموقف ركبت سيارة الميكروباص بمدينتى البعيدة عن مكان عملى وقد اعتمدت أن أجلس على كرسيين بجوار السائق بأجرة مضاعفة حتى اجلس على راحتى أو نزول متكرر؛ وما أن جلست وجدت خلفى سيدة تتحدث فى الموبايل من اول الطريق بصوت عالى جدا وكأنها فى بيتها أو غرفتها تتحدث لزميلة لها عن زميلة أخرى بأسلوب كله نقد لاذع ؛ و على الرغم أن هذه الزميلة هى زوجة لزميلهم وتكرر نفس الحوار مرات ؛ والغريبة أنها تطرقع بمضغ اللبان بصوت مسموع ! ليزيد الأمر ومن شدة الاستفزاز نظرت خلفى إلا أنها لم تأخذ بالها لأنها لم تشعر حتى أن حولها ناس من الأساس؛ ووجدت تعبيرات الشيخ الكبير الهادىء الجالس بجوارها تقول كل شىء ؛ اما السائق كان يتأفف من هذه السيدة بشدة ولم تهتم لذلك .
وما يستدعى الابتسام أن السائق أعلن أنه خلاص عقله هيطير من الإذاعة المتنقلة ؛ والطريف أن السيدة نزلت من السيارة فى نفس المحطة التى نزلت إليها ؛ ومازالت تستكمل الحديث بالموبايل وهى على الطريق ومعظم من بالسيارة يتعجب ولسان حالهم يحمد الله !!! .
الموقف حقيقى قد يبدو أنه كوميدي أو تراجيكوميدى، لما وصلنا إليه من أن الشاشات جعلت الكثيرين متوحدين مع أنفسهم تارة ومع المحادثات الهاتفية التى قللت من التركيز تارة أخرى وجعلت الحياة المحيطة على هامش الشعور .
والشيء بالشيء يذكر ولا أبالغ إذا قلت إن هذا الموقف حدث فى اليوم الثالث حيث استقليت سيارة وفى هذا اليوم لم اتمكن من الجلوس على الكراسى المفضلة لى بجوار السائق فجلست على الكنبة الخلفية ؛ وجلس بجوارى طفل عمره لا يتعدى 8 سنوات بجواره والده فى الأربعينيات ‘ وجدت الطفل يمسك موبايله يشاهد فيديو تلو الآخر،أردت أن أسدى له نصيحة بكل ود،فقلت له: ” ياريت حبيبى تقلل الموبايل شوية عشان عينيك وووقتك ولأنه بيتاثر على التركيز والمذاكرة”،ليردقائلا:” بحاول اقلله ابتسمت للطفل وصمت حتى لا أثقل عليه أكثر من ذلك ؛ ولأنى لا أحب أن أكون فى موقف التدخل فيما لا يعنينى” .
وطوال الطريق ظل الطفل ممسكا بالموبايل مثنيا ظهره فى زاوية حادة ويشاهد الفيديوهات وبجواره والده كذلك يمسك موبايله ؛ .فقلت فى نفسى لماذا لا يترك الأب و هو القدوة للطفل موبايله جانبا؛ وليكن الوقت المنقضى فى وسائل المواصلات فرصة للحوار بين الطفل و أبيه وليكون حديث ودى؛ وفرصة لتقوية العلاقة بينهم ومعرفة أحوال الطفل مع أصدقائه وفى المدرسة ؛ ولإسداء القيم والسلوكيات الإيجابية التى لا يتاح الوقت لها بذهاب الوالد إلى عمله والطفل إلى مدرسته فترة طويلة .
حينها .. تذكرت ايام الجامعة فى كلية الإعلام جامعة القاهرة فى اواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات وكنت وأصدقاء العمر “هند وحمدية” كنا فى العودة من الكلية بعد انتهاء اليوم الدراسى؛ وكان هذا الوقت من اجمل الأوقات وأتذكرها جيدا على الرغم من مرور أكثر من 30 عاماـ ولا أدرى كيف مرت والله ـ .كنا نحن الأصدقاء سعداء تجمعنا الابتسامة ؛نتبادل أطراف الحديث بإيجابية ؛ ومن منا يقرأ كتاباً للكاتب الصحفي الكبير احمد رجب أو الكاتب الكبير محمود السعدنى الملقب بالولد الشقى بحكاياتهم الساخرة والشيقة ؛ فكانت كل واحدة تحكى عما قراته ليتحول الوقت إلى إفادة وسعادة؛ حتى أن صديقتى العزيزة حمدية احيانا وهى من سكان المعادى كانت تنتظر للنزول من باب المترو فى آخر لحظة لغلق باب المترو حتى كدنا هند وانا نقلق أن يغلق باب المترو وان يواصل المترو بها معنا المسير ؛ويسود بيننا حينها الابتسامات والود والأخوة ويمر الوقت ليكون من امتع الأوقات الحقيقية،هذا هو الفرق بين العالم الحقيقى والعالم الافتراضى .





