أهم الأخبارمقالات

الكاتب الجزائري بين الحقيقة المرة والوهم المريح

بقلم شدرى معمر :

أطلق منذ مدة الكاتب الروائي القدير الحبيب السائح على صفحته بالفيسبوك  صرخة تعبر عن المرارة التي يعيشها الكاتب بحيث لم يبع من إحدى رواياته خمسمائة نسخة بعد سنة من توزيعها في المكتبات و أن كل ما تحصل عليه طوال مساره الإبداعي الطويل مبلغا زهيدا..
هذه الحقيقة المرة التي يعيشها أغلب الكتاب الجزائريين يطبعون كتبا بأموالهم الخاصة التي يدخرونها على حساب اسرهم وبنسخ محدودة يهدونها لأصدقائهم ولبعض الإعلاميين، يأخذون صور سيلفي معها ويشاركون فرحتهم بعض الأصدقاء وتنتهي اللعبة هنا لا كتبا وزعت ولا قراء احتضنوا هذه الكتب وتفاعلوا معها ولا حقوق مادية لهذا الكاتب البائس تعوضه بعض خساراته…
في الدول المتقدمة يطبع  الكاتب رواية واحدة بعشرات الآلاف من النسخ  تبقى تدر عليه المال طوال حياته وهذه الرواية الأولى تدفعه للتفرغ للكتابة والإبداع هذا الحلم الذي يراود كل كاتب صاحب مشروع إبداعي ولكن هيهات هيهات فتكاليف الحياة الصعبة وغلاء المعيشة ترمي به في طاحونة الوظيفة التي تقتل فيه كل طاقة وتمتص رحيق عمره فلا يجعل لموهبته إلا المتبقي من الوقت القليل وهكذا لا يفجر الكاتب طاقة الإبداع الكامنة فيه ..
في الغرب كتابة رواية واحدة تدخلك التاريخ وتدر عليك  مالا كثيرا..
فهذه رواية “ذهب مع الريح” للكاتبة الأمريكية “مارجريت ميتشيل”، هذه الرواية التي نالت شهرة عالمية وتم تحويلها لفيلم سينمائي شهير جدًا،  هي الرواية الوحيدة لها  التي استغرقت كتابتها ست سنوات خلال الفترة من 1930 إلى 1936.

وعندما تتأمل في حياة الشاعرة والكاتبة سيلفيا بلاث التي عانت الاكتئاب عاشت حياة صعبة خاصة بعد ارتباطها وزواجها من الشاعر الإنجليزي تيد هوز الذي حاولت مرات أن تنتحر وفشلت بسبب زوج خائن لا يقدر مشاعر زوجته
انتحرت سيلفيا في 11 فبراير 1963بعد نشر روايتها بشهر واحد ، بعدما حشرت رأسها في الفرن في مطبخ المنزل  انتهت حياتها البائسة  مختنقة بغاز أول أكسيد الكربون، ووضعت سيلفيا مناشف مبللة تحت الأبواب الخشبية حتى لا يتسرب الغاز إلى غرف أطفالها.

فازت رواية “الناقوس الزجاجي” بجائزة بوليتزر 1982

بروايتها الوحيدة نالت جائزة عالمية..
كل هذه الحقائق للمرة دفعت بعض الكتاب إلى العزلة والنسيان وتطليق الكتابة ونسيانها و البعض الآخر القلة الصامدة المصطبرة الماسكة على شوك الإبداع تكتب وتعيش وهما مريحا أن غدا يوم جميل يلتفت فيه أهل الحل والعقد إلى هذا الكائن الرقيق الحساس ما يسمى ” كاتب” فيعطونه بعض حقوقه المادية من سكن مريح و مبالغ مالية حقوق كتاباته فيعيش إنسانا حرا يسافر ويرتدي لباسا انيقا ويشارك في معارض دولية ويقيم علاقات مع كتاب من مختلف دول العالم ..
هذه الأوهام المريحة أكتبها الآن في هذه اللحظات من معتكفي بمقهى باريس، أوهام تريحني وتشعرني بنشوة الكتابة وسط الخراب فلقد دربت نفسي على التحدي، اكتب ثم اكتب وتمسك بالوهم المريح.

* الكاتب والباحث في التنمية البشرية شدري معمر علي *
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى