إمرأة في مفترق الطرق
غادة نوارة:
في البداية ورغم تصدر المسلسل قائمة الأعمال الأعلى مشاهدة رفضت متابعة مسلسل البحث عن علا لهند صبري لأن أدائها في مسلسلها النسخة السابقة ” عايزة أتجوز ” كان مبالغاً فيه ولكن شاهدت الحلقة الأولى رغماً عني بناءً على رغبة ابنتي فجذبتني حلقاته فشاهدته حتى النهاية.
تبدأ أحداث المسلسل عندما يتخذ البطل قرار الانفصال منفرداً ويصدم علا زوجته قائلاً … ” أنا مش قادر أكمل ” فلم يعد يستطيع تحملها وهو الشعور الذي وصل للمشاهد فنتيجة أن الزوجة تقوم بكل الأدوار في بيتها ومع أولادها بمفردها ظهرت في حالة مرتبكة ومتوترة وتعاني من انهيار عصبي .. فلا يتحملها زوجها ويعلن رغبته في الانفصال كحال الكثير من الرجال هذه الأيام .. تحاول علا أن تثنيه عن رغبته هذه من أجل ولديهما قائلة له أنها ستتغير من أجله كما يريد ولكنه يصر على موقفه .. وبعد أن تفيق هند صبري من الصدمة تبدأ مرة أخرى في البحث عن عريس آخر ترتبط به مع صديقتها نسرين أو رضا التي تقوم بدورها ندى موسى، ثم بعد ذلك تحاول البحث عن ذاتها واكتشاف نفسها وتحاول الوصول للسعادة وتحمل مسئولية نفسها مادياً.
والحقيقة أن كل الممثلين بدون استثناء قدموا أداءً مبهراً وأولهم ضيوف الشرف .. ففي الحلقة الأولى تظهر الفنانتان يسرا وشيرين رضا لتخبرا علا بشكل ساخر أن المتزوجين هذه الأيام هم الاستثناء وذلك في إشارة إلى معدلات الطلاق المرتفعة في السنوات الماضية بشكل غير مسبوق .. وأنه إذا حدث الانفصال فإنه ليس نهاية الحياة بل على العكس قد يكون البداية .. وإن كنت أرى أنه إذا استحالت الحياة بين الطرفين فكما أمرنا الله يكون إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .. فإن كنا لا نشجع على الطلاق فلا يجب أن يظل أحد الطرفين يقدم تنازلات وتضحيات حتى يصل لمرحلة التعاسة والشعور بالقهر .. ولكن قبل الطلاق يجب إعطاء فرصة لتدخل الحكماء من العائلتين حتى لا تنهدم الأسرة ويتشرد الأولاد، فالزواج رباط مقدس ومؤسسة اجتماعية لبناء أسرة متماسكة والطلاق هو أبغض الحلال .. ولكن علا بطلة المسلسل كغيرها مئات الآلاف وجدت نفسها فجأة مطلقة وكان عليها تقبل الأمر ومواجهة الحياة .. فإن كان الزواج رباط مقدس ونظام الحياة الذي وضعه الله لتعمير الأرض فيجب أن يكون الطلاق هو آخر الحلول عندما تستحيل العشرة بين الطرفين.
ويتوالى ظهور ضيوف الحلقات ليثروا العمل الدرامي فيظهر خالد النبوي ليرشد علا إلى نقاط قوتها ويساعدها في أولى خطواتها العملية لتبدأ مشروعها ويخبرها أن الحياة ليست فقط أبيض وأسود، ثم يظهر فتحي عبد الوهاب الذي أبدع في دوره ليثبت للجميع أن الحياة مليئة بالخوازيق.
هاني عادل وإن كنت أرى أنه قد تعامل مع زوجته برقي لا يحدث إطلاقاً في الواقع إلا من رحم ربي؛ فقد سمعنا ورأينا كثير من الزوجات كان مصيرهن الشارع بعد الطلاق ولكن البطل في المسلسل ترك شقته لتعيش فيها زوجته وولديه .. وأعرب عن استعداده لتحمل المسئولية المادية وهي نفقات ولديه وزوجته وهو مالا يحدث بين معظم الأزواج في الوقت الحاضر وإن كانت علا طلبت منه أن ينفق على ولديه فلم تقبل أن ينفق هو عليها فهي كانت صيدلانية وتستطيع أن تعمل وتتحمل مسئولية نفسها .. إلا أنه وفي أكثر من موقف كان هشام بطل المسلسل يتخلى عن مسئولياته المعنوية تجاه ولديه والتواجد معهما في أوقات كثيرة ويُلقي بمسئولياتهما على زوجته وكأي رجل شرقي أصيل يشعر أنه من حقه أن يعيش حياته ويرفض لزوجته أن تتمتع بنفس الحق .. تعامله مع زوجته كقطعة شطرنج يُطلقها وقتما شاء وعندما يغير رأيه يحاول أن يستردها مرة أخرى وكأن شيئاً لم يكن .. فهل تقبل علا العودة إليه أم لا؟
والحقيقة أن هند صبري أو علا في المسلسل تعبر عن ملايين السيدات في الشرق اللاتي يجدن أنفسهن فجأة في مفترق الطرق مطلقات يقفن بمفردهن وعليهن تحمل مسئولية أنفسهن وأولادهن ومواصلة الحياة بعد الانفصال، واللاتي يحتجن لمن حولهن كي يضيئوا لهن الطريق وينيروا نقاط القوة ويبرزوا القدرات الكامنة لديهن.
استطاعت هند صبري وبجدارة التعبير عن مشاعرها المتناقضة والمتضاربة حتى أنها ظهرت في بداية المسلسل شخصية قلقة متوترة مرتبكة وأحياناً غير متزنة فنجدها تتواصل مع الرجال عبر تطبيقات المواعدة وتذهب الملاهي الليلية وهو ما عبرت عنه بعد ذلك علا عندما قالت ” أنا ماكنتش مبسوطة .. أنا مالقتش نفسي في المكان ده ” مروراً بالمشهد الذي ظهرت فيه ترقص ببدلة رقص وتظهر معها الراقصة دينا.
سوسن بدر في المسلسل تمثل أمهات وجدات زمان .. الأم المصرية الشرقية الأصيلة التي تقف مع الرجل في كل الأحوال، هي بالطبع ضد خراب البيت وهدم الأسرة حتى لو كان على حساب كرامة الزوجة وكبريائها وراحتها فقد كانت تعاتب علا ابنتها على حدوث الطلاق رغم أن هذا القرار اتخذه الزوج بمفرده .. وأن على الزوجة تقديم التنازلات والتضحيات طوال الوقت.
وقد نجح المسلسل في إلقاء الضوء على الكثير من الموضوعات الهامة ومنها أنه لا يجب أن ينشغل الآباء بأعمالهم وحياتهم الجديدة عن متابعة أولادهم والاهتمام بهم ورعايتهم فيجب أن تكون الأولوية دائماً للأولاد، وضرورة تواصلهم مع أبنائهم والتقرب إليهم وسماعهم ومعرفة همومهم ومخاوفهم ومشاكلهم والسعي لحلها، وضرورة اتفاق الآباء على الاحترام المتبادل بينهما بعد الانفصال واحترام اختيارات بعضهما البعض حتى لا يتأثر الأولاد بشكل سلبي وتتدمر حياتهم ولكن يجب أن ينشأوا حياة طبيعية فلا يجب أن تنتهي العلاقات الزوجية في المحاكم ويكون الأولاد هم الضحايا وهو ما يعاني منه المجتمع ….. وأن الوقت ليس متأخر أبداً لتحقيق الأحلام والطموحات فلا يوجد وقت مناسب لبداية أي شئ وعلى الإنسان ألا يتوقف عن السعي.
يحتوي المسلسل على بعض السلبيات فقد ظهرت المشروبات الكحولية في بعض المشاهد وتم تناولها كفعل عادي يفعله الجميع كما أن المسلسل لم يناقش الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة الطلاق والتي باتت تهدد الأسرة المصرية ومن ثم تدمير حياة الأولاد ومن ثم المجتمع ولم يضع أية حلول لمنعها … استخدام التكنولوجيا بشكل خاطئ عن طريق استخدام تطبيقات المواعدة والذي جعلها تتعرف على يوسف الذي ظهر بشخصية وقورة ثم ما لبث أن ظهر على حقيقته ..
وإن كنا نجد تفشي ظاهرة الطلاق بين المتزوجين حديثاً أي الشباب فهم غير مؤهلين للزواج ولا يريدون تحمل مسئوليات وواجبات الزواج .. ففي المقابل فإن ارتفاع نسب الطلاق أدى إلى عزوف الشباب والفتيات عن الزواج.
الاختيار الخاطئ والمشاكل المادية والعند والتحدي وعدم الاحترام المتبادل وتدخل الأهل واختلاف الميول والطباع، والفروق الاجتماعية والأخلاقية الجوهرية بينهما، وعدم الجاهزية والاستعداد للزواج وتحمل مسئولياته والتزاماته فكل طرف يطالب بحقوقه وينسى واجباته، ومحاولة سيطرة أحد الطرفين على الطرف الآخر والعمل بمبدأ ” اتغدى به قبل أن يتعشى بي ” وكأنها حرب وليس زواج يقوم على المودة والرحمة والعشرة الطيبة والاحترام .. فمازالت بعض الأسر تربي الذكر على أساس أنه سي السيد الآمر الناهي .. ولكن الفتاة في مجتمعنا أصبح لها شخصية قوية ومستقلة ولا تقبل أن تكون ” الست أمينة ” ولذلك يجب أن يعلم المقبلون على الزواج أنه ليس مجرد نزهة أو حياة رومانسية أو قصة حب سيعيشونها ولكنه يتطلب الكثير من التضحيات وتحمل الواجبات والمسئوليات لكل من الطرفين.