الحنين إلى الرواية الكلاسيكية
بقلم الكاتب الجزائرى شدرى معمر:
منذ أن فتحت عيني على القراءة في سن مبكرة استهوتني الروايات العالمية الكلاسيكية المترجمة فقرأت أعمالا خالدة رواية البؤساء لفيكتور هوقو و الأرض لإميل زولا والأم لمكسيم غوركي ولمن تقرع الأجراس والشيخ والبحر لارنست همينغواي و الكوخ عم توم لهارييت بيتشر والدون الهادئ لميخائيل شولوخوف وغيرها من الكلاسيكيات الخالدة المشوقة وقد يتساءل الإنسان ما السبب الذي يجعل القارئ ينجذب لهذا الأدب ويعود إليه مرارا ويشده الحنين إلى عوالمه الساحرة الواقعية؟ ..
مما لا شك فيه أن هذا الأدب له خصائص وسمات منها :
” – الأدب الكلاسيكي لا يعنى بالأفراد بل يعنى بوصف ظاهرة جماعية ما لذلك هو في خدمة المجتمع أكثر من الفرد وحتى إن كان له أبطال أفراد فإنه يقدمهم في الإطار المجتمعي لهم وحسب الحقبة الزمنية الموجودين فيها كرمز لكافة أفراد المجتمع أو إظهار التباين بنيه وبينهم.
-يتميز الأدب الكلاسيكي بأنه أدب محافظ مراعيا للتقاليد والثوابت المجتمعية فلا يخرج عنها ولا يثور عليها ولا يتحداها بل يقدم في إطارها ومغلفا برعايتها
-الأدب الكلاسيكي أدب أخلاقي إلى حد كبير فهو يتميز بالالتزام بالتعاليم الأخلاقية والمثل العليا فلا يشط عنها ولا يقدمها كأمر عادي وهو في ذلك يتعارض مع الأدب الحداثي الذي يصفه النقاد بعدم مبالاته بهذه الأمور أو الاهتمام بها وارتباكه أمام مفهوم القيم والمثل” (1).
فهذه الخصائص هي التي جعلت منه أدبا كونيا إنسانيا يتجاوز الإيديولوجية الضيقة و النظرة العرقية القاصرة هو ادب يحمل قيما أخلاقية، يدافع عن الإنسان و حقه في حياة كريمة بعيدا عن التسلط و العنصرية والطبقية والاستعلاء ينتصر للفقراء و المنكسرين من الطبقات المسحوقة ويعطي املا لهؤلاء في تغيير واقعهم …نحن لهذا الأدب ونحتضنه لأنه ليس أدب جنس و إباحية و سخرية من المعتقدات الدينية…
لهذا لا نستغرب أن ينفر القارئ من كتاب كثيرين يعاقبهم بعدم القراءة ويشتكي هؤلاء من انعدام المقروئية ويتجاهلون السبب الحقيقي هو أن كتاباتهم لا تمت بصلة إلى هوية القارئ و قيمه ومبادئه بل تحارب ما يؤمن به هذا القارئ ثم أنها كتابة تفتقر للخيال الخصب والواقعية الحقيقية وليست المزيفة..
فيا أيها الكاتب الروائي إذا أردت أن تدخل التاريخ من ابوابه الواسعة فلتغير مفاهيمك ومعتقداتك عن رسالة الأدب و دوره في الحياة فلا يمكن أن نبعده عن القيم الأخلاقية والإنسانية والتعبير عن أشواق الإنسان و أشواك الحياة التي تدمي قدميه في السفر نحو الحرية والانعتاق من كل عبودية.
* الكاتب والباحث في التنمية البشرية شدري معمر علي *
[email protected]