حكمة الكون
بقلم علاء الداوى :
لماذا خلق الله عز وجل فئة من الناس أغنياء وآخرين فقراء؟!! فئة مرضى وآخرين أصحاء؟!! لماذا بعضنا يعيشون في رغد وهناء وسعادة، وآخرين يذوقون البؤس والشقاء والحزن؟!!!!بل ما فضل الإنسان الذي قدر له الله فنشأ في بيئة صالحة فكان من الملتزمين، وما ذنب إنسانا آخر نشأ في بيئة فاسدة فكان من المنحرفين؟!!!!.
هل كل إنسان نال نصيبه في الدنيا 24 قيراطا لكن بنسب مختلفة؟!! فلماذا – إذا – نرى أفرادا اجتمع لها المال والصحة والذرية والسعادة ، وآخرين اجتمع عليها الفقر والمرض والبؤس والحرمان؟!!!تساؤلات تتردد في عقول الكثير ، وتجري على ألسنة الكثير ، إما بدافع من محاولة الفهم وإما بغرض الطعن والتشكيك.
والرد على هذه الأسئلة يتطلب أن ندرك أن الدنيا ليست أصلاً بدار قرار ولا دار حساب ، وبالتالي فهي ليست دار عدل أو مساواة….خلق الله الخلق ووزع الأرزاق وقدر الأقوات، واقتضت حكمته جل وعلا أن يتفاوت الناس في الغنى والفقر ، والصحة والمرض، والرفعة والضعة، والسعادة والشقاء، وهو العزيز الحكيم لا يسأل عما يفعل وهم يسألون..
فالناس ليست كلها متساوية في نصيبها من الدنيا، حقيقة يؤكدها الواقع ويقرها المولى عز وجل أكثر من مرة في القرآن الكريم..” وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ “،” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ “،” وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً “.
فالدنيا دار اختبار ، وتفاوت الأرزاق فيها فتنة ، وكل مبتلى فيها بحسب حاله..ولكن كيف تكون الدنيا دار امتحان ، والناس يؤدون هذا الامتحان بمعطيات وأحوال متفاوتة ، ومطلوب منهم أن ينجحوا،،،،، ألا ينافي هذا عدل الله ؟!!!!!صحيح أن امتحان الدنيا المطلوب اجتيازه هو واحد للجميع ،،،،، ((((ولكن عدل الله هنا يتجلى في التقييم ))))؛ فهو الذي يختلف باختلاف الظروف والأحوال ….. وبقول آخر؛ فمن دخل اختبار الدنيا بمال قليل يختلف عمن دخله بمال كثير،،، ومن اجتاز الاختبار وهو مريض يختلف عمن اجتازه بصحته….
والذي مدة الاختبار بالنسبة له كانت 90 سنة ، يختلف عمن اختباره كان 30 سنة، والذي عاش في عصر كعصر الصحابة والتابعين ، غير الذي عاش في زمن فتن وبدع ومنكرات القابض على دينه فيه كالقابض على جمرة من نار ، والذي نشأ في وسط ملتزم يختلف عمن نشأ في مجتمع بعيدا عن الالتزام،
فالله أعدل من أي يحاسبهم كلهم بمعيار واحد ، ويدل علي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:” إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا “.
فمسألة التقييم لا تحتاج إلى قلق وخوف لأن الله – جل في علاه – له معايير كثيرة في التقييم نجهلها ولا نعلمها،،،، ومسألة الحساب وتقييم أعمال العباد أعقد وأعمق بكثير جداً من نظرتنا السطحية للأمور،،، ربنا جل في علاه سيحاسب كل واحد منا بمفرده ، حسابا دقيقا مفصلا تراعى فيه ظروفه وأحواله وأدق ملابسات حياته ، كل فرد يختلف عن الآخر، وميزان الحساب عند الله بمثقال ذرة فلا ظلم ولا جور،، ، والله أعدل من أن يعاقب عبداً حتى يقيم عليه الحجة الكاملة،،،، أما مكافأة النجاح في الاختبار فهي،” فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ “.
فهناك فئة ستنجح بنسبة 50% ، وأخرى تنجح بنسبة 70% ، وفئة أخرى تنجح ب 20 و30 % ، كل واحد حسب المعطيات التي أعطاها الله له في اختبار الدنيا،،، وهناك درجات رأفة يعطيها الله لمن يشاء من عباده،،، فلا داع للقلق حول كيفية التقييم طالما كان الايمان بأن الله هو الخبير الحكيم العدل….” الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ “.
إن مسألة توزيع الدرجات لا يعلمها إلا من وضع الاختبار؛ فمن الوارد جدا أن تعمل أعمال خير تؤديها وأنت تستشعر بصغرها، وتأخذ عليها من الأجر أضعاف عمل آخر تراه كبيرا ، ولهذا أمرنا رسولنا الكريم ألا نحقر من المعروف شيئاً ، فلا يدري أحدنا أي عمل ينجيه…فما المطلوب منا إذن ؟!!!!!
وحيث أن كل واحد فينا لا يعلم درجة نجاحه، ولا يعلم متى سينتهي وقت امتحانه،،، فليس المطلوب منك غير أن تجتهد وتركز في ورقتك، وألا تشغل بالك بورقة غيرك،، وألا تستمر في النظر إلى كل من معك لجنة الامتحان،،، فلا تسأل لماذا هذا يجلس على كرسي مريح وانا جالس على كرسي مكسور،،،،، لماذا هذه تنعم ببرودة التكييف وانا جالسة تحت لهيب الشمس،،،، وهؤلاء لديهم 10 اقلام ونحن لدينا قلما واحدا،،، فتستمر في حياتك مشغولا بكل شيء ما عدا ورقة الإجابة الخاصة بك ، حتى ينتهي وقت الامتحان دون أن تنال درجة النجاح، وتكون من الخاسرين….
أما رب العزة فقد حسم تماماً مسألة الحساب، وكيفية تقييمه لأعمال العباد حتى تطمئن القلوب وترتاح العقول فقال:” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ “فكفى بالله حاسباً وقيماً ورقيباً .
فهو من وضع الاختبار ، وهو من خلق لكل إنسان ظروفه الخاصة ، وهو الأعلم بحال كل واحد ، وهو المطلع على خبايا الصدور ، وهو من يحاسب العباد بنفسه لا يوكل عنه أحداً وهو الحق العدل الكريم الرحيم سبحانه وتعالى عما يصفون