أهم الأخبارمقالات

حجرة الفئران ورحلة البحث عن بطاقتى

بقلم: سماح سعيد

في خضم ضغوط الحياة اليومية التي تتحملها المرأة بين مسؤوليات البيت والعمل والأسرة والأبناء، أصبح من الطبيعي أن تتعرض لمواقف من النسيان المتكرر؛ فقد تنسى أوراقها الثبوتية أو محفظتها خارج المنزل، بل وحتى داخل بيتها تبدأ رحلة البحث عن أشياء رتبتها بنفسها.

هنا يتبادر إلى الذهن سؤال ملح: هل أصابنا جميعًا داء النسيان المبكر أو ما يشبه “الزهايمر”؟

هذا ما مررتُ به شخصيًا قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، حين قصدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لإنهاء بعض الإجراءات الرسمية،وكما هو معتاد، يُسلم الزائر بطاقته الشخصية أو بطاقة عمله لرجال الأمن على بوابة الوزارة لحين انتهاء مهمته.

وبعد عارض صحي ألزمَني المنزل ثلاثة أسابيع، اكتشفت أن بطاقتي الشخصية لم تعد إلى حافظة نقودي،فعدت إلى مقر الوزارة أبحث عن بطاقتي، لاجد أمامي ثلاثة من رجال الأمن: اثنان ضخام البنية وعن يمينهما رجل نحيل، تولى الأخير البحث في الأدراج دون جدوى.

أصررت على أن بطاقتي موجودة لديهم، فما كان من أحدهم إلا أن أشار إلى غرفة صغيرة مقابلة، أطلق عليها ساخرًا اسم “أوضة الفئران”.

دخلت الغرفة، فإذا بها ضيقة لا تتجاوز المترين في الطول والعرض، مكدسة بالأثاث البسيط، وعلى أحد الأدراج المغطاة بحصيرة خضراء وجدت مشهدًا صادماً، عشرات الصفوف من البطاقات الشخصية وجوازات السفر وكارنيهات العمل، كل صف يضم ما لا يقل عن ثلاثين بطاقة مكدسة بإهمال.

حاولت البحث بنفسي بين تلك الأوراق، لكن حجمها كان يفوق طاقتي،ثم طلبت مساعدة رجال الأمن، فجاءني الرد في البداية بالرفض واللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم، استوقفني أحدهم وهو ينشغل بإنهاء فنجان قهوته، فدفعت أمامه صفًا من البطاقات وقلت بحزم: “هذا عملكم وعليكم مساعدتي، بدلاً من الانشغال بما لا يفيد”،وجلست بجوارهم متسائلة: “كيف تحتفظون بهذا الكم من البطاقات دون أدنى جهد لإعادتها لأصحابها؟ أليس من الواجب أن تُسجلوا أسماءهم وأرقام هواتفهم للتواصل معهم؟”.

ردوا بلا مبالاة: “إحنا مش مسؤولين، صاحب البطاقة هو اللي ييجي يدور عليها”. استشعرت في كلماتهم غياب الضمير، وكأن المواطن هو من يتحمل دائمًا عبء الإهمال المؤسسي، وبعد نحو ساعتين من البحث المضني، غادرت المكان دون جدوى، لاجدها في اليوم التالي أن بطاقتي كانت لدى أمن مدرسة ابنتي الكبرى!

فرحتي بعودة بطاقتي لم تمحُ شعور المرارة من غياب أبسط صور المسؤولية الإنسانية داخل مؤسسة بحجم وزارة التربية والتعليم، فالموظف أو الزائر ليس مجرد رقم عابر، بل هو مواطن من حقه أن يجد تقديرًا واحترامًا.

أليس من مكارم الأخلاق أن نغيث الملهوف ونيسر على الناس؟ ألم يقل رسول الله ﷺ: “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”؟

إن ما نحتاجه ليس فقط تطويرًا إداريًا، بل صحوة ضمير تُعيد للقيم مكانتها، وتجعل من خدمة المواطن واجبًا قبل أن تكون وظيفة.

سماح سعيد

سماح سعيد كاتبة صحفية مصرية،عضو نقابة الصحفيين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى