في حوار خاص مع “نافذة مصر البلد”.. نائب رئيس جامعة القاهرة للدراسات العليا يكشف أسرار التميز البحثي
أجرت الحوار: سماح سعيد
تواصل جامعة القاهرة ترسيخ مكانتها في مقدمة الجامعات العربية والإفريقية، بعدما تصدرت معامل التأثير والاستشهادات (آرسيف ARCIF) لعام 2025، محققة المركز الأول عربيًا من خلال 20 مجلة علمية محكمة في مختلف التخصصات.
وفي إطار هذا التميز العلمي، أجرت «نافذة مصر البلد» حوارًا خاصًا مع الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة للدراسات العليا والبحوث وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق، الذي تحدث عن أسرار تفوق الجامعة وتحديات البحث العلمي في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى خطط تطوير الدراسات العليا واستقبال الطلاب الوافدين.
_بداية.. كيف نجحت جامعة القاهرة في تصدر معامل التأثير العربي (آرسيف) لعام 2025؟
•تصدر الجامعة لمعامل التأثير العربي “آرسيف” لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة سياسة علمية واعية ركزت على جودة النشر وتطوير المجلات البحثية وفق أعلى المعايير الأكاديمية،فقد
حصدت المركز الأول في ثلاثة مجالات رئيسية هي،(الاقتصاد والعلوم السياسية،المكتبات والمعلومات،العلوم الاجتماعية).
وأشار إلى أنه بالرغم من تفوق الجزائر في عدد المجلات المشاركة، فإن التميز النوعي في جودة المحتوى والتحكيم كان من نصيب جامعة القاهرة، بفضل الدعم الكبير من الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور محمد سامي عبدالصادق رئيس الجامعة، اللذين وفّرا مناخًا بحثيًا متميزًا يواكب التطورات العالمية.
وأضاف أن الجامعة حرصت على إصدار المجلات البحثية باللغتين العربية والإنجليزية، والاستعانة بكوادر أكاديمية متميزة ساهمت في رفع جودة النشر وتعزيز تأثير الأبحاث المصرية على المستويين الإقليمي والدولي.
_ ما المقصود بمعامل التأثير؟ ولماذا يمثل مؤشرًا مهمًا في تقييم المجلات العلمية؟
•معامل التأثير هو مؤشر عالمي لقياس قوة المجلات العلمية، ويُحسب بناءً على عدد الاستشهادات بالأبحاث المنشورة مقسوما على عدد المجلات،وكلما ارتفع دلّ ذلك على جودة المجلة وأهمية أبحاثها.
وأشار إلى أنه في قديما، كانت المجلات العربية تواجه صعوبة في تقييمها دوليا بسبب حاجز اللغة، لكن إنشاء معامل التأثير والاستشهادات العربي (آرسيف ARCIF) برعاية اليونسكو منح المجلات العربية فرصة لتقييم علمي وفق معايير تضاهي “Scopus” و”Clarivate” .
_ حدثنا عن إنجازات جامعة القاهرة على المستوى الدولي في مجال النشر العلمي؟
•تمتلك جامعة القاهرة 67 مجلة علمية محكمة، منها 36 بالإنجليزية و31 بالعربية، ونجحت 6 منها في دخول تصنيفات Scopus وClarivate العالمية.
بالإضافة إلى مجلة Journal of Advanced Research (JAR)،والتي احتلت المركز السادس عالميًا في مجال التخصصات البينية للعلوم الأساسية والطبية والهندسية، وهو إنجاز نفخر به جميعًا.

_كم يبلغ عدد طلاب الدراسات العليا بجامعة القاهرة؟ وهل هناك ملاحظات على جودة الأبحاث ضعف مستوى الباحثين؟
•لدينا نحو 60 ألف طالب وطالبة في الدراسات العليا بمختلف الكليات، أي ما يعادل 25% من إجمالي طلاب الدراسات العليا في مصر.
وتعليقا على ضعف اللغة أو المستوى البحثي لدى قلة من الطلاب،رد قائلا: أن جودة البرامج لم تتراجع بل تطورت بوضوح من حيث المحتوى والمناهج،ولا أنكر أن منذ زمن شهدت الدراسات العليا زيادة كبيرة في الإقبال عليها، ما تسبب أحيانًا في ممارسات غير أخلاقية كـ«نسخ الأبحاث»، لكننا واجهناها بحزم،فقدشهدت الخمسة أعوام الأخيرة انضباطًا ملحوظًا في منظومة الدراسات العليا بفضل الرقابة الأكاديمية الصارمة.
_من يتولى مراقبة نزاهة الأبحاث وضمان الالتزام بالمعايير الأخلاقية؟
• هذه المهمة تقوم بها لجان أخلاقيات البحث العلمي داخل الجامعة، حيث تراجع مشروعات الأبحاث للتأكد من مطابقتها للمعايير الأكاديمية،وفي حال اكتشاف انتحال علمي أو نقل غير مشروع، يُحال الباحث إلى التحقيق، وقد تصل العقوبة إلى إلغاء الدرجة العلمية بالكامل، حفاظًا على سمعة الجامعة ونزاهة البحث العلمي.
الدكتور محمود السعيد: الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لا بديل عن عقل الباحث.. ونحلم ببحوث تُترجم إلى حلول حقيقية لمشكلات الوطن
_ هل تشهد الجامعة تنوعًا في برامج الدراسات العليا؟
•نعم، لدينا 1067 برنامجًا للدراسات العليا تغطي جميع التخصصات، من بينها 335 برنامج دكتوراه، و359 ماجستير، و363 دبلوم،ونعمل باستمرار على تحديث البرامج لتتوافق مع احتياجات سوق العمل والتحول الرقمي.
_وماذا عن الطلاب الوافدين؟ وهل هناك اهتمام خاص بهم؟
• لدينا حوالي 5000 طالب وافد من أكثر من 100 دولة حول العالم، تتصدرها الدول الإفريقية مثل السودان والصومال، تليها الدول العربية كالسعودية والكويت والإمارات.
و أكد أن الجامعة تقدم للوافدين رعاية متكاملة وإجراءات ميسّرة في الإقامة والدراسة، لأنهم يمثلون قوة مصر الناعمة وسفراءها الثقافيين في العالم، كما أنهم يُسهمون في دعم السياحة التعليمية وتعزيز التنوع الثقافي.
_ هل تعتبر رسوم التسجيل في الدراسات العليا مناسبة للطلاب؟
• يجب التفريق بين التعليم الإلزامي والإضافي،
فالدراسات العليا اختيارية وتهدف لتطوير الذات، ومن الطبيعي أن تغطي الرسوم تكاليف الخدمات الأكاديمية،ورغم ذلك، تحرص الجامعة على مراعاة البعد الاجتماعي والاقتصادى، إذ تُعدّ الرسوم في متناول معظم الأسر المصرية، إلى جانب برامج دعم وتمويل للمتميزين تصل أحيانًا إلى الإعفاء الكامل من المصروفات، خاصةً للمعيدين والمدرسين المساعدين.
_في السنوات الأخيرة نلاحظ عزوفًا من بعض الخريجين عن العمل الأكاديمي.. ما الأسباب؟
•بسبب شدة المنافسة على الوظائف الجامعية، إلى جانب الأعباء الوظيفية الكبيرة التي يتحملها عضو هيئة التدريس في التدريس والبحث وخدمة المجتمع،كما أن العائد المادي في بعض القطاعات الخاصة والدولية أعلى، لكن رغم ذلك، يظل العمل الأكاديمي رسالة سامية تقوم على حب العلم والإخلاص له أكثر من الاعتبارات المادية.
_ كيف ترون مستقبل البحث العلمي في ظل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي؟
• لا شك أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا محوريًا في البحث العلمي، سواء في تحليل البيانات أو الكتابة الأكاديمية أو تطوير الابتكارات،لكن يجب أن ندرك أنه أداة مساعدة وليست بديلًا عن الباحث؛ فالقيمة الحقيقية للبحث تأتي من العقل الإنساني والإبداع والتحليل،ولذلك، أصدر المجلس الأعلى للجامعات النسخة الثالثة من الدليل الاسترشادي لضمان الاستخدام الأخلاقي السليم له في التعليم والبحث العلمي.
_بماذا يحلم الدكتور محمود السعيد لتطوير قطاع الدراسات العليا مستقبلًا؟
•أحلم بـ خطة بحثية قومية موحدة تنطلق من وزارة التعليم العالي، تُحدّث دوريًا وفق متطلبات المجتمع، وتُرسل إلى الجامعات لمناقشتها وابتكار الحلول المتاحة ثم متايعة تنفيذ ذلك على أرض الواقع،لتحويل الأبحاث من أوراق نظرية إلى نتائج ملموسة تخدم المجتمع وتواجه التحديات التنموية مثل مجالات الزراعة والطاقة والصناعة.
_وأخيرًا.. ما النصيحة التي توجهها لطلاب الدراسات العليا والباحثين؟
• أولا أن يضع كل باحث هدفه نصب عينيه خدمة المجتمع لا مجرد نيل شهادة،ثانيا الإخلاص في العمل والصدق في البحث هما أساس التميز الحقيقي، لأن العلم بلا رسالة إنسانية يفقد قيمته، أما حين يُكرّس لخدمة الوطن والبشرية، يصبح رسالة سامية تستحق الجهد والتفاني.





