مقالات

حوادث كشفت عوراتنا !!!!

بقلم سماح سعيد:

“إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا” تلاحقنا يومياً الكثير من الحوادث التى نراها أو نسمع عنها سواء من وسائل الإعلام اوالسوشيال ميديا ، قديماً كنّا نصاب بالهلع لمجرد معرفة بعض الحوادث الفردية بالرغم من أنها قليلة العدد ، أما الآن فما يدهشنا هو كثرتها وتعامل مجرميها بكل جحود مع الضحايا دون رحمة ، وكذلك حالة اللامبالاة ممن كانوا لسوء حظهم متواجدين فى مسرح تلك الجرائم رافعين شعار “أنا مالى ” .

كانت أكثرها بشاعة هو حادث قطار طنطا والذى لقي فيه محمد عيد أحد الباعة الجائلين مصرعه بعد أن خيره رئيس القطار بين دفع ثمن التذكرة أو القفز من القطار ، وهنا الغريب ليس بما قام به رئيس القطار والذى تجرد من إنسانيته وألتزم بتطبيق القانون دون الأخذ بروحه عندما وضعه ما بين مقصلة الموت أو تسليمه للشرطة .

ما أصابنى بالفزع هم باقى ركاب تلك العربة المشؤمة كيف لهم يَرَوْن هذا المشهد دون أن يحرك فيهم ساكنا ؟ ، هل لأن الله انعم عليك ببعض من المال جعلهم ينسون من هم أقل حظا منهم على مجابهة دنيانا ؟ ، ألم يكن هناك رجل حكيم يتدخل لحل المشكلة سواء بالتهدئة أو بتجميع ثمن التذكرة من باقى ركاب العربة لهذا البائع المسكين استنادا لحديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة”.

وتابعنا من قبلها بأيام قضية محمود البنا والذى قتل بدم بارد فى وضح النهار علي مرأي ومسمع من الجميع وهم يصورونه عبر شاشات تليفوناتهم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة دون تدخل منهم ، لتتحول إلى قضية رأى عام يتحايل فيها المجرم الحقيقى محمد راجح على القانون وكأنه يخرج لسانه للمجتمع  معلنا انهيار منظومة القيم والأخلاق وسيطرة رأس المال والفساد فوق جميع مؤسسات الدولة ،وهنا تكمن المشكلة فى التساؤلات التى تدور بأذهاننا  أين سنشعر بالأمان فى مجتمع قميء أشبه بالغاب لا يحكمه إلا البلطجة؟ ،كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الانهيار الأخلاقى ؟ من منا لا يرتعد خشية تكرار تلك الحوادث معه أو مع أولاده أوأهل بيته ؟ .

لو عودنا بالذاكرة إلى حقبة الثمانينات نجد أن عصر الإنفتاح هو بداية الانزلاق نحو المجتمع اللا أخلاقي الذى نعيشه الآن ، حيث انقلبت المعايير رأسًا على عقب، فقد أصبح المال غاية للبحث عن الثراء بأية صورة سواء كانت شرعية أم غير شرعية بعد سيطرة الرأسمالية المتوحشة على المجتمع واختفاء الطبقة المتوسطة وظهورطبقة الأثرياء ، ليطفو على سطح المجتمع بعد ذلك جرائم مثل الرشوة والفساد والمخدرات وأبراج الموت والأغذية الفاسدة وغيرها ، هذا إلى جانب غياب العدالة بكل أنواعها ، وتراجع قيم مثل العلم والعمل والحياء وقلة اهتمام الأسر فى ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية بسبب انشغالها بالكسب المادى لتلبية احتياجاتهم .

وكذلك ابتعادنا عن جوهر الدين فالغالبية تؤدى شعائرها الدينية دون التدبر فى فحواها ، نصلى ونصوم ولو بحثنا وراء الغالبية لوجدناه مقاطعين صلة أرحامهم ومنا الخبيث والكاذب والمخادع الذى يخدع الله قبل نفسه إلا من رحم ربى ، بالإضافة لاختفاء الرقابة والإعلام والقدوة لتنمية وجدان الناس ومشاعرهم وأذواقهم فى الوقت الذى يساق فيه فيضان من الرسائل المسمومة لتحريض الناس علي الكراهية والعنف والجنس سواء من خلال الفن الهابط أو وسائل التواصل المجتمعي.

كل تلك الأسباب تضافرت لقلب الهرم الإجتماعى لتهدم ثقة المصريين فى بعضهم البعض بل وفى أنفسهم حتى أصبحوا عبارة عن طوائف منعزلة عن بعضها البعض و كأنهم دويلات داخل الدولة مثل ساكنى الفلل والقصور هم بمعزل عن شريحة المناطق الشعبية وهكذا ، لنتحول من شعب مسلح بالنبل والشهامة والإنتماء للوطن إلي شعب منفلت متمرد لا يفكر إلا فى نفسه فقط ، أتمنى من جميع الأسر قبل صناع القرار التكاتف للخروج من هذا المأزق لأن فى ظل إستمرارية نزيف إنهيار أخلاقيات المجتمع ستكون النتائج كارثية مستقبلًا .

سماح سعيد

حاصلة على ليسانس آداب قسم إعلام جامعة الاسكندرية تدربت بالاهرام المسائي وقسم المعلومات بجريدة الأهرام اليومية وعملت بموقع مصر البلد الإخبارية محررة مؤسسات وهيئات خيرية ، وتعمل حاليا صحفية بموقع نافذة مصر البلد مسئولة عن أخبار وزارة التعليم والصحة والبيئة
زر الذهاب إلى الأعلى