الصيام بين التهذيب النفسى والسمو الروحى
الشيخ /حامد علي عربي
بأوقاف الأقصر
إن كان الصوم فى ظاهره ،إمساك عن شهوتى البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ،فإن باطنه أسمى من كل الظواهر الحسية ،فإن الصيام دربة وتهذيب وتأديب للسلوك ،وتنقية وتصفية وتحلية للأرواح ، فيغلب على صاحبه الجانب الروحى ويتذكر فى جوعه الفقير المعدم ،ويقف مع ذاته وقفة الصابر المثابر المتلذذ بالجوع والعطش لأنه استجابة لأوامر ربه ،وتحقيقا للمساواة بين الأغنياء والفقراء على أرضه ،وهكذا هو المبدأ العام عند أولى الألباب فى حياتهم ،يغذون الأجساد بما يقومها وحسب .
أما التغذية الكبرى فهى كامنة للأرواح فى رمضان وغيره ،تقول السيدة عائشة _رضى الله عنها_ “لم يمتلى جوف النبى صل الله عليه وسلم شبعا قط، وإنه كان فى أهله لا يسألهم طعاما ولا يشتهيه، إن أطعموه أكل ،وما أطعموه قبل ، وما سقوه شرب ” وعنها رضوان الله عليها أنها قالت “كنا آل محمد نمكث شهرا ما نستوقد بنار ، إن هو إلا التمر والماء” هذا هو القدوة الخالدة _صل الله عليه وسلم _يرسم لأتباعه المنهج الصحيح الذى يغير مسار سلوكهم ، كان زاهدا فى الدنيا رغم أنه لو أراد تملكها لملكه الله إياها ،ولذا يقول _صل الله عليه وسلم مبينا البغية الحقيقية وراء الصيام فى الحديث الذى رواه أبو هريرة _رضى الله عنه _” الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها “أخرجه البخارى .
فجماع التقوى متحققة فى الصيام وهادفة إليه “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” وأختم بقول الرافعى فى وحى القلم بشأن ما نحن بصدده “فهذا الصوم فقر إجبارى تفرضه الشريعة على الناس فرضا ليتساوى الجميع فى بواطنهم ،سواء منهم من ملك المليون من الدنانير ،ومن ملك القرش الواحد ،ومن لم يملك شيئا ” وحى القلم.