د/ أحمد علي سليمان: القرآن الكريم يشتمل على دستور دساتير التربية الرشيدة ويربى المسلم على التفاؤل والحيوية والإيجابية
التفاؤل صناعة إسلامية بامتياز، ويجب أن نعيش فيه ويعيش فينا بلا إفراط ولا تفريط
كتب: أحمد صديق
أكد الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن التفاؤل صناعةٌ إسلامية بامتياز، وأن القرآن الكريم يشتمل دستور دساتير التربية الرشيدة، يربى المسلم على التفاؤل والحيوية والإيجابية، وإذا استفتحت القرآن فإنك ستجد التفاؤل من أول لحظة فأول آية فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) هي عنوان التفاؤل، ذلك أن الاستهلال الدائم للقرآن يكون بالاستعانة بالله، وتجد التفاؤل في أول كلمة من الفاتحة (الحمد لله) على نعمه ومننه وخيراته التي لا تحصى ولا تعد.
وقال في محاضرته (التفـاؤل.. أسراره وأنواره في ضوء القرآن والسنة) بـملتقى الفكر الإسلامي، والتي أذيعت مساء الجمعة 18 رمضان 1442هـ – 30 إبريل 2021م: وإذا سبحنا في بحار القرآن؛ لوجدنا مئات الآيات التي تمنح الإنسان التفاؤل والقوة، فتزيد المؤمن قوة إيمان، وقوة رضا، وقوة يقين، كما أن التفاؤل له أسرار خفية، وأنوار جلية، نستلهمها على الدوام من إشعاع القرآن.
وأشار إلى أن التفاؤل هو ميلٌ أو نزوعٌ نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقعُ أفضلِ النتائج .والتفاؤل في حياة الإنسان لا يقل أهمية عن الطعام والشراب، فإذا كان الطعام والغذاء وقودَ الجسم؛ فإن الأمل والتفاؤل وقودُ النفس، والقلب، والعقل، والروح، والوجدان، ومن ثم لا يمكن أن نتصور حياة سليمة، ولا تجديدًا، ولا إبداعًا، ولا بناء من دون أمل، وعمل، ورغبة في الحياة، وهكذا فإن التفاؤل منحة ربانية عظيمة، بيد أنه تتعاظم أهميته وقيمته ومكانته في معترك الحياة… في ضعفها وضغطها وملماتها وتحدياتها وآلامها وآمالها.
لقد شاءت إرادة الله أن تكون الحياة متغيرة متبدلة متحولة، فيها المفرحات والمنغصات، فيها الخير والشر، فيها الغني والفقر، فيها الصحة والمرض، فيها العطاء والحرمان، فيها الطاعة والمعصية، فيها القوة والضعف… وقد نهى الله تعالى عن اليأس والقنوط مهما كانت الظروف والمصائب، فاليأس والقنوط بعيد عن الإسلام بل إن اليأس أعدى أعداء الإسلام؛ لذلك فإن اليأس لا يتمكن إلا من الضعيف الذي هزمه الشيطان في عراك الحياة وفي حراكها..
وناشد “سليمان” المربين بزراعة التفاؤل والأمل في نفوس النشء؛ لتنمو أشجاره بعناية، وتؤتي ثماره مع دخولهم غمار الحياة، وعليهم أن يرفعوا رايات (الخير قادم، الخير قادم، الخير قادم… المستقبل يحمل الخير)، وأن تكون حاضرة على الدوام في المناهج التربوية، والقوالب الإعلامية، والأنشطة الثقافية، والدعوية، ذلك لأنها كفيلة بإقالة النفوس من عثراتها، وتعبيد سبل الحياة وإصلاحها.
مشيرًا أن النبي عليه الصلاة والسلام هو منبع الأمل ومعلمه، ومنه تنبثق أنهار التفاؤل… وكان دائم التفاؤل والاستبشار بتوفيق الله عز وجل، وكان يتفاءل في المشكلات، والأزمات، والملمات، وفي شأنه كله، وهو من علمنا “بشِّروا ولا تنفِّروا، يسِّروا ولا تعسِّروا”، وكان يُعجبُهُ الفَألُ الحسَنُ، ويَكْرَهُ الطِّيرةَ؛ لأن التشاؤمَ سوءُ ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤلَ حسنُ ظن به جل وعلا، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على كل حال، والاعتماد عليه، والثقة فيه جل وعلا، ثم الثقة في النفس.
وأكد الدكتور/ أحمد علي سليمان أن العلم الحديث كشف عددًا من الحقائق والأسرار عن التفاؤل، حيث إنه ينشط أجهزةَ المناعةِ النفسية والجسدية؛ مما يجعل المرءَ على طريق الصحة، والسلامة والوقاية؛ لأن التوتر الدائم، واليأس، والقنوط، من مدمرات الصحة النفسية والجسدية؛ إذ تربك أجهزة الجسم وترهقها، وتربك إفرازاتها فتحدث بشكل غير طبيعي، وتُغيّر كيمياء الجسم؛ فتعتل الصحة النفسية، ثم تختل الصحة العامة، وينكسر القلب، ويعيش الإنسان في توتر مستمر، وإحباط، وصراع. ومن هنا يكمن سرّ الإيمان، والسكينة، والرضا، والأمل، والتفاؤل الذي يضبط إيقاع المنظومة الصحية للإنسان (النفسية، والعقلية، والجسدية)، لتعمل بشكل طبيعي؛ وفق التنظيم الدقيق، والإعجار العظيم الذي أبدعه الله الحكيم.
كما توصلت الدراسات الحديثة إلى أن التفاؤل مريح جدًّا لعمل الدماغ؛ فعندما تجلس، وتفكر عشر ساعات وأنت متفائل، فإن الطاقة التي يبذلها دماغك أقل بكثير من أن تجلس، وتتشاءم لمدة خمس دقائق فقط!، وأن المتفائلين هم: أكثر الناس نجاحًا، وأكثر الناس إيجابيةً، وأكثر الناس تعاونًا، وأكثر الناس إنجازًا، وأكثر الناس حكمةً، وأكثر الناس صحةً، وأطول الناس أعمارًا، بإذن الله.
وقد نبه معلم الإنسانية الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، إلى ذلك مبكرًا، فقال (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر، فَكانَ خَيْرًا له).
وأشار “سليمان” إلى أن هناك عددا من العوامل المعينة على ديمومة الأمل والتفاؤل، منها: كثرة ذكر الله تعالى، والسياحة الدائمة في كتاب الله المنظور: (الكون البديع)، وفي كتابه المسطور: (القرآن الكريم)، واستلهام سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكيف كان يواجه المشكلات والتحديات بالأمل والعمل؟، وقراءة سير الصالحين، واستخلاص العبر منها، ومجالسة الطيبين، وإسكان كلمات التفاؤل، واﻷمل، والبهجة في العقول، والقلوب، والبيوت؛ لتكون من الكلمات الدارجة، والمسموعة على الدوام، وفي المحصول اللغوي للصغار، والنشء، والشباب، ومجابهة وساوس الشيطان بالوضوء، والصلاة، واختيار الرفيق قبل الطريق، فالرفيق الصالح، هو مَن يساعدك على إصلاح علاقتك بالله، ثم بمفردات الطبيعة والكون على الدوام…
وأكد أن أحوج ما تحتاجه الأمة اليوم هو زرع فقه التفاؤل في نفوس النشء والشباب، لتعميرالحياة بمنهج الله، وإن غرس التفاؤل للعاصي ومرتكب الجريمة يزرع في نفسه حب الخير والإقلاع عن الجريمة، وإن نشر التفاؤل لدى المريض يزرع في نفسه الحياة، وإن نثر التفاؤل في المجتمع يزرع فيه حب البناء الفكري والإبداع والبناء.
والمؤمن الحق هو مَن يعيش يومه متفائلاً، بلا إفراط، ولا تفريط، ولا يقلق على المستقبل أبدًا، لأنه يعلم علم اليقين أن ما شاء الله كان، وأن ما لم يشأ لم يكن. ولا يزال التفاؤل، وسيظل يبوح لنا بمزيد من أسراره، وأنواره؛ لتكون لنا عونا على مواصلة الحياة، والسير في طريق الله… وفقنا الله للتفاؤل، ووفق التفاؤل للعيش معنا وبيننا وفي قلوبنا وفي حياتنا…