صاحب الذكر المرفوعَ
د / بشير عبد الله علي
من علماء الأزهر الشريف
يقول الله ( عز وجل ) للنبي صلى الله عليه وسلم في كتابه الكريم : (( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ )) فالذي رفع الذكر هو الله جل جلاله وذكر الحبيب ما دام الله تعالى قد رفعه سيظل مرفوعًا إلى أبد الآبدين ، سيظل مرفوعًا رغم حقد الحاقدين ، ورغم كفر الكافرين .
رفع الله تعالى له ذكره ، وأعلى قدره على مر الأزمنة والعصور فقد قال الله تعالى : (( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) فقد أخذ الله تعالى العهد والميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام لما آتى الله جل جلاله أحدهم من كتاب وحكمة وبلغ أي مبلغ ، ثم بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليؤمن نبه ولينصرنه ، قال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ( ما بعث الله تعالى نبيًا من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث الله محمداً وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه ) وكان أول نبي أوضح أمره وكشف خبره وبين سره وجلى مجده ومولده وبلده هو الخليل إبراهيم عليه السلام ، دلّ على ذلك القرآن الكريم : (( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )) وهذا تنويه وتنبيه على شرفه وعظمته وعلو ذكره في سائر الملل وعلى ألسنة الأنبياء ، بل هو ( صلى الله عليه وسلم ) مذكور في الكتب السابقة بوصفه ونعته الذي عليه في القرآن الكريم ، فقد أخرج الإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن الكريم : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا )) وحرزًا للأميين أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لا فظًا ولا غليظًا ولا صخابًا في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يعتمر به الملة العوجاء ؛ بأن يقولوا لا إله إلا الله ، يفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا .
وقد ذكر وهب بن منبه : أن الًله تعالى أوحى إلى داود في الزبور : يا داود إنه سيأتي بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد ، صادقًا سيدًا لا أغضب عليه أبدًا ولا يغضبني أبدًا ، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمته مرحومة ، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وفرضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ، حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء . إلى أن قال : يا داود إني فضلت محمدًا وأمته على الأمم كلها .
والسؤال الآن : إذا كان الله تعالى قد رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لنا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تكمن في طاعته والسير على نهجه والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم فهو القائل : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى )) قالوا : ومَن يأبى ، قال : (( مَن أطاعني دخل الجنة ومَن عصاني فقد أبى )) فعلينا معاشر المسلمين أن نتبع ولا نبتدع ؛ حتى نسعد في الدنيا وننجو في الآخرة .