فن التغافل الذكي
بقلم علاء الداودي
كان من ضمن الموظفين شابٌ نشطٌ وناجحٌ في عمله وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاءٍ وسرعةٍ ودقةٍ، كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً، لكنه كان لعوباً إلى حد ما..
فكان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيراً بدون إذن، وإجازاتُه أكثر من المُعتاد.
ذاتَ مرة تقدّم الشاب بإجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة .. لكن مديره رفضها. فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ ، واتصل مدعياً المرض معتذراً عن الحضور
ولأن مديره أعرف أنه ليس مريضاً ، ذهب صباحاً إلى بيته وانتظره مبكراً فقابله وهو يحمل عدّة الرحلات .. فراح وجههُ يتقلّب بين الخجلِ والحرج … وهكذا أكد له أنه لم يكن قادراً على خِداعه، وأنه ليس بتلك السذاجة التي يظنُّها ..وأنه كاذب ، وخصم المدير عنه أجرَ اليوم مضاعفاً ..لكن ماذا حصل بعد ذلك ؟ بعد أيامٍ ، تقدَّم الشابُّ باستقالته …من جهه المدير خسرجُهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها ، ولم يعُد بالإمكان أن يرفع لإدارته العليا نسبَ الإنجاز السابقة ، وصار المديربحاجةٍ للبحث عن شاب يمكنه أن يحقِّق ذات الإنجاز وهم قليل …كان غباءاًمن المدير!! ما الذي استفاده من ذلك* ؟ يومها ، اكتشف المدير أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا ، يكون بسبب التضييق على الآخرين ، وإغلاق منافذ الهروب أمامهم ما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين :
إما أن يهربَ مِنك* وتَخسر جهده ..أو يتخذك عدواً ، وسوف يتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس ..وفي الحالتين تكونُ خاسراً
لذلك أجدُ من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ ، لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع ، أن يهربَ بِكرامة ، فبعضُ التغافل مفيدٌ جداً…لن تكون منتصراً فعلياً فيما لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه حد التعرية ، حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب
*التجمُّل و التّغافل هو ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا.ويقول الشاعر :
ليس الغافل بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغافل
الأفضلُ دائماً أن تفتحَ لخصمكَ طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك ، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك … لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة ..
ولا تُحرق مراكبكَ أبداً … فقد تحتاجها قريباً .لابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز وذلك ليس غباء بل هو منتهى الذكاء والفطنة.
فنون الإدارة