الإخلاص الخفي
بقلم ريهام عبد الواحد:
من أشد و أغرب التناقضات التي يمكن أن نراها في مجتمعاتنا ، هي ان لا أحد يرحم أحد ،و في نفس الوقت ذلك الذي قد لا يرحمك و انت في اعتم لحظات شدتك ،هو نفسه ذلك الذي سوف يأتي ليحكم على مظهرك و يدعوك إلى الصلاح بدعوى أنه يريد لك الجنة و يفكر أكثر منك في مصلحتك مع الله .
عجيب جدا كيف أنه لا يوجد أحد يريد مصلحتك في الدنيا ، و قد يحسدك على لباس نظيف أو ابتسامة عفوية ، ثم يريد لك حسن الخاتمة و الفردوس بكل نعيمه !لماذا لا يلتهي كل إنسان في أعماله و في حياته بدل أن يستنفد طاقته في الآخرين و يسخر مجهوداته في تحليل لباسهم و أجسادهم و تصرفاتهم و نواياهم و أرواحهم ؟.
كل إنسان يأتي لهذه الدنيا ، ليكون رقيبا على نفسه ، و مسئولا عن طريقة حياته و تصرفاته لا حياة و تصرفات الآخرين …ما نحتاجه من الآخرين هو الاحترام و الصدق و الأمانة و المعاملة الحسنة …مظاهرهم و لباسهم و طريقة أفكارهم و كيف يعيشون حياتهم أو يتخذون قرارتهم ليس لنا نهائيا الحق في التدخل في ذلك ..من قلة الأدب أن يحشر أحدهم أنفه بكل تطفل في حياة الآخر بدعوى أنه يريد له الخير في الدار الآخرة و لو أتاه خير في الدنيا لكان أول من يحسده عليه.
علاقة الانسان بالخالق ، لا يحق نهائيا لأي إنسان آخر التدخل فيها ، نحن لا نرى من شخص ما سوى جسده ، أي غلافه السطحي الذي يخفي كَونٌ شاسعٌ من الذكريات و الصراعات و الخير و الشر و النور و الظلام و التراكمات و الأفكار و الروح و الكبرياء …كل تلك الأشياء التي لا نراها لا يمكننا أبدا الحكم عليها من خلال مظهر قابل للتزييف ….
الروح هي الصلة الوحيدة بين أي إنسان و خالقه ، لا أحد يرى روح الآخر لهذا لا أحد له الحق في التدخل في باطن الآخر الذي لا يعرف عنه شيئا …كم من إنسان يبدو غاية في الصلاح تشكره الناس من أجل ما نحاول اظهاره و يفضحه الله من أجل ما يُبطنه …و كم من انسان متصالح مع نفسه ، يتجادل الناس في مظهره الذي لا يتفق مع افكارهم و مع ذلك تجده ذا كاريزما و قبول و هيبة من عند الله بسبب صفاء روحه.
كل نفس بشرية تحتاج حياة أخرى لتصلح ما بداخلها من تكدسات و رواسب ،، لهذا من الغباء و قلة العقل الجهاد في محاولة اصلاح روحٍ لا تعرف عنها شيئا بينما روحك التي تعرف عنها كل شيء لا تحاول اصلاحها أو شفاءها أو الارتقاء بها .