علي ماهر.. شيطان سرايا الملك فاروق
بقلم أحمد الدخاخني:
رجل قام بتأليف الوزارة أربع مرات، وتظاهر بالحياد أمام أطراف الحرب العالمية الثانية بينما كان قلبه وعقله يميلان لدول المحور بقيادة ألمانيا النازية، واكتسب ثقة الملك فاروق فور توليه العرش ثقة عمياء أثارت تعجب كل من في القصر وجميع رجال السياسة دون إستثناء، فكما حضر تنصيب الملك، لم يعلم فاروق أنه سيحضر لحظات طرده من مصر كلها.. إنه علي ماهر باشا.
كان علي ماهر رئيساً للحكومة في الأيام الأخيرة من الملك فؤاد حتى توفاه الله عام 1936، ليفاجأ ابنه الأمير فاروق بهذا الخبر الأليم بالنسبة له أثناء دراسته بالعاصمة البريطانية لندن، فيقطع الأمير مشواره الدراسي ويعود فوراً إلى مصر، واستقبلته الجماهير بحفاوة وبهجة ظنًا فيه خيراً بأنه الملك المحبوب والمحب لمصر وشعبها ووجهه البشوش والشاب الوسيم، وابن الملكة الوفدية نازلي.. فاستقبله علي ماهر ليعهد له بالولاء لعرش فاروق وأن يصبح الأقوى في مصر، واستطاع أن يستغل طيبة قلب الملك فاروق ليكون واصياً عليه وهو الوحيد من يشيره لآراءه السياسية، فتسبب في بث الوقيعة بين الملك وحزب الوفد بزعامة النحاس وكذلك بين أعضاء الحزب، ثم يقنعه بالتعاون مع الإخوان المسلمين الذي يترأسه حسن البنا ليضرب بها شعبية حزب الوفد، وأقنعه بضرورة الانحياز للألمان بحجة تحقيق هدف استقلال مصر عن الإحتلال الانجليزي.
وكانت النتيجة أن الملك فاروق كان على وشك السقوط سريعاً في 4 فبراير 1942 وكادت دبابات الإنجليز تدهس عرش الملك بفضل نصائح علي ماهر لولا وجود حسنين باشا الذي هو عماد عرشه، وربما لو كان علي ماهر بدلاً من حسنين لسمح للملك بالامضاء على التنازل، لكن هذا المصير قد تأجل إلى عشر سنوات، حيث فقد الملك توازنه بعد وفاة أحمد حسنين باشا بوفاته إثر حادثة تصادم بسيارته، وزيادة المشاحنات بين الملك وعائلته أبرزهم الملكة الأم والملكة الزوجة الأولى، وإقالة حكومة الوفد بعد حريق القاهرة وإجهاض الحركة الفدائية، ليصبح الملك وحيداً وليس له من ينقذه سوى علي ماهر الذي باع الملك وقام بتأليف الوزارة بأمر من الضباط الأحرار بهذه البساطة، وكان الضباط يعلمون أن علي ماهر هو الأكثر تأثيراً على الملك فاروق ويستطيع إقناعه بمطالبهم، لكن علي ماهر في النهاية لم يستمر طويلاً في الوزارة وتم إقالته وشرب من نفس الكأس الذي ذاقه القصر الملكي، لينفرد الضباط في السلطة فيصبحوا هم القصر والوزارة والحزب والقضاء والاعلام.
كنت أتساءل ماذا لو كان أحمد حسنين باشا رائد الملك ورئيس ديوانه هو من حضر ثورة أو إنقلاب يوليو، لا سيما أن الموقف لم يكن أكثر صعوبة من حادث 4 فبراير 1942، فلم تكن هناك حرب داخل الأراضي المصرية، ولم تقتحم دبابات الضباط الأحرار القصر مثلما فعل الانجليز ، وحتى إن كانوا قد سيطروا على الإذاعة، فكان من السهل أن يقوم جميع الحرس الملكي بالانقلاب المضاد على مقر القيادة العامة للجيش للقبض على الضباط المتمردين، وكل ذلك في ظاهره أمر ملكي لكن من المؤكد في الباطن هو توجيهات حسنين باشا الذي لم يترك فاروق وهو محاصر بدبابات الانجليز، حيث يبدو أن فاروق كان قد زهد الحكم ومعيشة القصر، لكن شاء القدر أن يحضر علي ماهر تلك الظروف التي أنهت مصر الملكية للدخول في مرحلة الحكم الرئاسي.