ثقافة الذوق وذوق الثقافة
بقلم الكاتب الجزائرى شدرى معمر على:
قال ابن شرف القيرواني: (فدَارِهِمْ ما دمتَ في دارِهِمْ – وأَرْضِهِمْ ما دمتَ في أرضِهِمْ)،في صبيحة هذا اليوم توجهت إلى المقهى باكرا لأرتشف قهوتي في ركني المفضل حيث يسبح العقل في عوالم التأمل والتألم لما تعيشه أمتنا من تكالب الأعداء عليها .
وفي طريقي لاحظت شابا أنهى ارتشاف قهوته ثم رمى الكوب في الطريق واستمر في مشيه و السيجارة تحترق بين أصبعيه بل عمره يحترق ويتلاشى مع الدخان ، تساءلت في نفسي : هل تعلم هذا المسكين البائس ثقافة الذوق وهل تذوق يوما الثقافة كما يتذوق قهوته ؟ ألا يعلم أن للطريق حق ؟ …
كثيرا ما تصادفنا هذه السلوكات في الطريق ،حتى و أنا أخرج من المدرسة أسمع الكلمات النابية تنطلق من ألسنة التلاميذ و من الكبار أيضا دون مراعاة القواعد الأخلاقية واحترام المجتمع …
إن الذوق السليم والرفيع هو ثمرة تربية حسنة و أخلاق فاضلة و عقل راجح تغذى بالمعرفة الصحيحة فصاحب الذوق الرفيع هو إنسان حكيم يحسن فن التعامل فيراعي في كلامه مع الناس مشاعرهم وضعفهم فلا يتكلم عن المال مع فقير ولا عن الصحة مع مريض و لا عن السعادة مع محزون…
يفقه جيدا مقولة ” لكل مقام مقال ” ..إذا دخل المسجد تأدب فهو في بيت الملك لا يمد رجليه إلى القبلة و يراقب من دخل ، بل يجلس بأدب ووقار يذكر الله ويستحضر عظمة المكان …و إذا زار مريضا طمأنه و بشره بالخير الشفاء العاجل ولا يطل عليه الجلوس…
حتى في اللباس، يحسن اختيار ما بلبس من تناسق ألوان فلا يلبس ضيقا أو شفافا أو ممزقا بدعوى الحضارة و التقدم و ما يطلبه العصر…
يقول أحمد أمين:” لقد جربت الناس فوجدتهم يخضعون للذوق أكثر مما يخضعون للمنطق، فبالذوق لا بالعقل تستطيع أن تستميلهم، وأن تأسرهم، وأن توجههم، وأن تصلحهم إن شئت، أما العقل وحده فلا يستطيع أن يأسر إلا الفلاسفة وقليل ما هم”
عندما تنتشر ثقافة الذوق بعيش المجتمع في سلام و نظام و تآزر فلا إرتفاع الأصوات و لا فوضى في للعلاقات و لا شوارع متسخة تحيطها القمامات…
فثقافة الذوق الرفيع حتما تقودنا إلى ذوق الثقافة، أن ننتقل إلى درجة عليا فننتقي ما نقرأ من جماليات الأدب الإنساني العالمي ومن الحكمة الإنسانية، نتذوق الشعر والكلمات المشعة بالصدق وبلاغة المعاني فتتحول من أشخاص يتحلون بثقافة الذوق في حياتهم إلى أشخاص ينشرون مهارات تذوق الثقافة وكيفية اقتناء الكتب التي نقرأها…
بثقافة الذوق وذوق الثقافة نبني مجتمعا راقيا متحضرا لا نخاف عليه من رياح الزمن العاتية التي تعصف بمجتمعات التخلف و الجهل المقدس.