الكاتب اللامرئي
بقلم الكاتب الجزائرى شدرى معمر على :
التقيت بصديق بعد التحية وتبادل أطراف الحديث قال لي : لم نعد نراك إلا على المواقع …ابتسمت ولم اعلق عليه وفي طريقي الذي احتوى خطواتي من سنين المراهقة إلى مقهاي حيث اصاحب نفسي و امتعها بجلسة لا يجلسها الملوك.
جلسة تامل و تفكر على الطاولة فنجان قهوة يحدق في يشرب ضغوط المدرسة ويرتشف مخاوفي تساءلت هل صديقي على حق ؟ هل أنا غائب في الواقع حاضر في المواقع ؟ هل دور الكاتب الحضور في كل المناسبات والأماكن حتى يكون كاتبا فاعلا مؤثرا يصنع الفارق ويغير الأحداث؟ …
أسئلة كثيرة تقلبت في أعماقي وانصهرت في عقلي…
قلت في نفسي :إن الكاتب يقضي أغلب وقته في عزلة مع القراءة والكتابة والتأمل ولسنين طويلة يتعود على هذه العزلة والغياب فلا يراه الناس كثيرا فهو بطبعه ينفر من التجمعات والبهرجة وحب الظهور فمعركته الكبرى يقضيها محاربا وحيدا على صفحات الورق مطاردا للمعنى باحثا عن المجاز مستلهما للحكمة.
هو هنا لامرئي ولكن أعماله الإبداعية التي هي نتيجة مخاض عسير من القراءة المتبصرة، القراءة الجلالية والجمالية، قراءة التجلي والتحلي والتخلي و الغوص في بحار الكتابة الإنسانية الكونية التي تعانق أشواق الإنسان وتعبر عن أشواكه الوجودية فهذه الأعمال تجعل منه إنسانا مرئيا من ناحية أخرى، يكتشف القراء كتاباته و إبداعاته وهو في مطبخه الفكري متلبسا بتناول وجبة فكرية دسمة وهناك كتاب وفلاسفة كبار اختاروا أن يكونوا لامرئيين، احتضنتهم العزلة وفي ظلال الوحدة ابدعوا و أنتجوا وحلقوا بعيدا في سماوات الفكر و الثقافة و الإبداع..
يقول د. أيمن حسن عن الكاتب موريس بلانشو الذي عاش لفترة طويلة لامرئيا : ” نعم، عاش موريس بلانشو لفترة طويلة كشخص لا مرئي، لا صورة له، لا حوار في الجرائد أو في التلفاز، ولا صوت مسموع. عاش وفيّاً للعبارة الّتي اختارها للتّعريف بنفسه في أولى صفحات كتبه عند ناشره “دار غاليمار”:”موريس بلانشو، روائي وناقد، ولد سنة 1907. سخّر حياته للأدب وللصّمت الخاصّ به”(1)
عزيزي الكاتب الذي يعشق الأضواء ولا يترك مناسبة صغيرة وكبيرة إلا حضرها أنت تصنع مجدك بلامرئيتك، بغيابك من آجل الحضور الإبداعي عبر الإنجازات والكتابات العميقة، فقليل من الحضور النوعي يكفي، فكن لا مرئيا من أجل كتابات و إبداعات مرئية يحتضنها القراء ويتفاعلون معها في أي بقعة من بقاع الأرض…