في اليوم العالمي للشباب.. كيف تواجه الشركات تحديات سوق العمل؟
بقلم الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
يُحتفل باليوم العالمي للشباب في 12 أغسطس من كل عام، وهو مناسبة مخصصة للاعتراف بإمكانات وإنجازات ومساهمات الشباب في جميع أنحاء العالم، وموضوع هذا العام هو “من النقرات إلى التقدم: مسارات الشباب الرقمية من أجل التنمية المُستدامة”، حيث يسلط هذا الموضوع الضوء على الشباب والابتكار الرقمي والتنمية المُستدامة، مع التأكيد على الدور الحاسم الذي يلعبه الشباب في استخدام التقنيات الرقمية لدفع التقدم نحو التنمية المُستدامة.
ويُعتبر اليوم العالمي للشباب بمثابة تذكير بالتحديات التي يواجهها الشباب على مستوى العالم، مثل الحواجز التعليمية، والوصول المحدود إلى الرعاية الصحية، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ويشجع اليوم الجهود التعاونية لمعالجة هذه القضايا.
كما يمثل الشباب بكونه شريحة عمالية جديدة وطموحة، تحديًا جديدًا للشركات، حيث أن هذا الجيل المولود في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، يتمتع بوعي رقمي عالٍ وتوقعات مختلفة عن الأجيال السابقة، لذا يسعى أفراد هذا الجيل إلى تجربة عمل مرنة ومتنوعة، تتسم بالابتكار والتطور المُستمر، فهم يبحثون عن فرص للتعلم والتطوير الذاتي، ويرغبون في العمل في بيئة تشجع على الإبداع والمُبادرة، كما يقدر الشباب الشركات التي تهتم بصحتهم ورفاهيتهم، وتوفر لهم فرصًا للتوازن بين حياتهم المهنية والشخصية، بينما كانت الأولوية بالنسبة للأجيال السابقة هي الحصول على وظيفة مستقرة توفر لهم الأمان المالي، والتركيز على الترقي في السلم الوظيفي والحصول على مناصب قيادية.
وتلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في تلبية احتياجات هؤلاء الشباب، فهم يعتمدون بشكل كبير على الأجهزة المحمولة والتطبيقات في حياتهم اليومية، كما يمكن للشركات الاستفادة من هذه التكنولوجيا لتوفير أدوات تعاون فعالة، وتسهيل التواصل بين الموظفين، وتمكينهم من العمل من أي مكان في العالم.
ولا يقتصر تأثير الثورة الرقمية على تغيير طبيعة العمل فحسب، بل يتعداه إلى إعادة تشكيل علاقات العمل بين الشركات والموظفين، فمع ظهور تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، تطلب الشركات اليوم موظفين يتمتعون بمهارات رقمية متقدمة وأن يكون لهم قابلية للتكيف مع المتغيرات المستمرة، بالإضافة إلى ذلك، فإن التنوع والشمول يعدوا من العناصر الأساسية في بناء بيئات عمل ناجحة، حيث تسعى الشركات لجذب وتطوير المواهب من مختلف الخلفيات الثقافية والجندرية.
وتواجه الشركات اليوم تحديًا متزايدًا في صياغة بيئة عمل مثالية لموظفيها، وذلك بسبب التغيرات السريعة التي يشهدها سوق العمل خاصة في ظل الثورة الرقمية، حيث تختلف احتياجات الموظفين من جيل لآخر فيما يتعلق بمرونة العمل والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية، مما يجعل من الضروري أن تتكيف الشركات باستمرار مع هذه التطورات المُتسارعة لضمان استمراريتها ونجاحها.
ولتلبية احتياجات هذا الجيل المُتنوعة، يجب على الشركات تبني سياسات عمل مرنة، مثل العمل عن بُعد أو تحديد ساعات العمل المرنة، كما يجب توفير برامج تدريب وتطوير مستمرة، وتمكين الموظفين من المشاركة في اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى ذلك، يجب بناء ثقافة عمل إيجابية تعتمد على الثقة والاحترام المتبادل، وتشجع على التعاون والابتكار، كما يجب على الشركات أن تستثمر في جذب وتطوير هؤلاء الشباب، والاستفادة من أفكارهم الإبداعية ومهاراتهم التقنية، من خلال تشجيع التعاون بين الأجيال.
كما يمكن للشركات أن تستفيد بشكل كبير من روح المُبادرة والطاقة الإبداعية للشباب، وذلك من خلال بناء جسور التواصل بينهم وبين صُناع القرار، من خلال توفير منصة مفتوحة لطرح الأفكار الجديدة والمُبتكرة، كما يمكن للشركات أن تحفز الابتكار وتولد حلولاً مُبتكرة للتحديات التي تواجهها، وفي المقابل، يمكن للشباب اكتساب الخبرات العملية وتطوير مهاراتهم القيادية، من خلال المشاركة في هذه العملية، مما يساهم في إعداد جيل جديد من القادة المؤهلين.
ومن الشركات التي تميزت بتوفير بيئة عملها المُبتكرة والمرنة، شركة “جوجل” حيث توفر للموظفين مساحات عمل مشتركة تحفز التعاون والإبداع، بالإضافة إلى برامج تدريبية مكثفة وفرص للنمو المهني، كما تشجع “جوجل” على العمل عن بُعد وتوفر الأدوات التكنولوجية اللازمة لذلك.
إن الثورة الرقمية أدت إلى تغيير قواعد العمل في العالم، ولكنها في الوقت نفسه فتحت آفاقًا جديدة للنمو والإبداع، فالشركات التي تستطيع التكيف مع هذه التغيرات، وتتبنى نظام عمل مرن وابتكاري، ستكون هي الفائزة، كما أن الاستثمار في الموارد البشرية، وتوفير بيئة عمل مُحفزة، والتشجيع على المُبادرة والابتكار، هي استثمارات في المستقبل، وستضمن استدامة الشركات ونجاحها على المدى الطويل.