دور العدالة التنظيمية في إدارة الصراعات
بقلم الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
هل تخيلت يومًا أن بيئة العمل التي تقضي فيها ساعات طويلة من يومك يمكن أن تكون سببًا في إحباطك وفشلك؟
يُفترض أن يكون مكان العمل بيئة مُحفزة للإبداع والابتكار، إلا أنه في بعض الأحيان قد تتحول إلى ساحة معارك تتنافس فيها الأنانية وتتصارع المصالح الشخصية، هذا الواقع المعروف بالصراع التنظيمي، الذي يشهد تفاعلات سلبية تنشأ بين الأفراد أو الجماعات داخل المؤسسة، وتؤدي إلى فقدان الثقة، وتراجع في الأداء، بالإضافة إلى اختناق الرؤية المشتركة، وفي ظل هذه الصراعات، تدفن الإنتاجية تحت أنقاض التنافس والحسد، مما يؤثر سلبًا على تقدم المؤسسة.
ولكن، هل هناك علاج لهذا الصراع؟ الجواب يكمن في تعزيز العدالة التنظيمية، التي تعد بمثابة منارة توجه المؤسسات نحو شواطئ الإنتاجية والابتكار.
تعتبر الصراعات الإدارية جزءًا لا يتجزأ من أي بيئة عمل، وتشكل الصراعات في بيئة العمل تحدٍ حقيقي، خاصة في ظل التنوع المتزايد في الأفكار، الآراء، الأجيال، والثقافات، تنتج هذه الصراعات عن عوامل متعددة، مثل الاختلاف في الأهداف المهنية، التنافس على الموارد، سوء التواصل، واختلاف العادات والتقاليد والقيم.
كما يؤدي غياب القيادة الفعالة القادرة على إدارة التنوع الثقافي والاجتماعي، وتلبي احتياجات الموظفين، وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف المشتركة، إلى خلق بيئة خصبة للصراعات، حيث غياب الرؤية الواضحة للأدوار والمسؤوليات، بالإضافة إلى تفضيل بعض القادة لمصالحهم الشخصية على مصلحة الفريق، يزيد من حدة هذه الصراعات، حيث يصبح من الصعب تحديد من يتحمل المسؤولية عن أي خطأ أو إنجاز، مما يؤثر سلبًا على أداء الفريق ككل.
وتؤدي الصراعات داخل بيئة العمل إلى عدة نتائج سلبية، منها انخفاض الإنتاجية، وتشتيت الانتباه، وتقليل التركيز على العمل، كما تدهور الصرعات بين الموظفين المُناخ العام في بيئة العمل؛ لتصبح سامة وغير صحية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التغيب والإحباط، هذا بالإضافة إلى أن الصراعات تدمر الثقة بين الموظفين وبين الإدارة، وتؤثر سلبًا على جودة الخدمة المقدمة للعملاء.
كما أن الإحساس بالظلم وعدم المساواة يعتبر أحد أهم أسباب نشوء الصراعات في بيئة العمل، لذا تعد العدالة التنظيمية ركيزة أساسية في تقليل الصراع، وتعزيز الشعور بالأمان والانتماء، وتبني العلاقات الاجتماعية الإيجابية بين الأفراد داخل بيئة العمل، فهي تتجاوز مجرد تطبيق القوانين، بل تتطلب ثقافة تنظيمية تقوم على الاحترام والإنصاف، كما أن إدراك العاملين للعدالة التنظيمية المطبقة في المنظمة يؤثر بشكل كبير على نظرة الموظف لمنظمته وسلوكه تجاهها، مما يُساهم في خلق بيئة عمل مُحفزة ومُستدامة.
وقد سعى عدد كبير من الدراسات إلى ربط تصورات العدالة بمجموعة متنوعة من النتائج التنظيمية، بما في ذلك تعزيز الالتزام بالمنظمة، وظهور سلوكيات إيجابية تساهم في نجاحها، كما تؤدي العدالة التنظيمية إلى بيئة عمل أكثر انسجامًا، حيث يشعر الموظفون بتقدير جهودهم ومساهمتهم، وعندما يرون أن معاملتهم عادلة ومنصفة، هذا الإحساس بالعدالة، الذي يؤدي إلى تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية.
ويعتبر بناء ثقافة تنظيمية قائمة على العدالة رحلة مُستمرة تتطلب التزامًا من الجميع، من خلال تطبيق هذه الإستراتيجيات، يمكن للمنظمات أن تحول مكان العمل إلى بيئة إيجابية ومحفزة، لا يوجد فيها صراعات، حيث يشعر الموظفون بالانتماء والقيمة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والابتكار والولاء للمنظمة.
فقد أصبح النجاح المُستدام للمؤسسات مرتبطًا بشكل وثيق بقدرتها على إدارة التنوع والتعامل مع الصراعات بشكل بناء، وتعتبر العدالة التنظيمية المفتاح لتحقيق هذا الهدف، فمن خلال خلق بيئة عمل عادلة ومُنصفة، يمكن للمؤسسات أن تجذب وتحتفظ بأفضل الكفاءات، وأن تحفز الإبداع والابتكار، وأن تحقق ميزة تنافسية.