التدريب المستمر غاية من أجل بيئة عمل محفزة ومُبتكرة
بقلم الدكتورة هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
تؤكد الدراسات العلمية بشكل قاطع أن فرص التدريب والتطوير المهني عامل حاسم في تحفيز الموظفين وزيادة ولائهم المؤسسي، فالموظفون المدربون يشعرون بارتياح أكبر في وظائفهم، وليس الرضا الوظيفي فقط، مما يدفعهم إلى العمل بجد أكبر لتحقيق أهداف المؤسسة.
كما أكدت منظمة العمل الدولية (ILO) أن التعليم والتدريب هما ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المُستدامة، فهما يعززان من إنتاجية الفرد، ويؤهله لسوق العمل المتغير باستمرار، كما يخلق التدريب عمالة ماهرة؛ تُساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.
ورغم ذلك، يواجه بعض الموظفين تحديات في الحصول على فرص للتطوير المهني، حيث كشفت دراسة شملت أكثر من 300 موظف أن حصولهم على فرص للتطوير مهارتهم زاد من حماسهم لتحسين أدائهم وارتباطهم بالمنظمة، وعلى النقيض من ذلك، أشار آخرون إلى أن غياب فرص التطوير المهني دفعهم للبحث عن فرص عمل أخرى، رغبتًا منهم في التواجد داخل بيئة عمل أكثر دعمًا لتطورهم المهني.
وقد تباينت آراء الموظفين حول أسباب تحفظ بعض المدراء على تقديم فرص التطوير المهني لموظفيهم، فمنهم من يرى أن المديرين يخشون من أن يؤدي التدريب إلى زيادة كفاءة الموظفين وتفوقهم عليهم، وهناك مديرين يرون أن التدريب قد يدفع الموظفين إلى البحث عن فرص عمل أخرى، وهناك رأي أخر يرى أن بعض المدراء يعتقدون أن التدريب قد يشجع الموظفين على التهرب من مهامهم الأساسية، كما لاحظ بعض الموظفين استخدام التدريب كأداة للتحفيز أو العقاب، حيث يتم حرمان بعضهم من هذه الفرص أو يتم التمييز بينهم في منحها.
وبغض النظر عن أي آراء أو توجهات شخصية، فإن حق الموظفين في التدريب والتطوير المهني حق أصيل لا يمكن إنكاره، هذا الحق لا يقتصر على كونه امتيازًا يمنح، بل هو استثمار ضروري لرفع كفاءة المؤسسة، وتحقيق أهدافها، وأن حجب هذه الفرصة عن أي موظف هو أمر غير منطقي وغير عادل، إذ يؤدي إلى تقويض روح الابتكار والتحفيز، ويشجع على الجمود والتنافس السلبي، مما يؤثر سلبًا على أداء المؤسسة ككل.
كما أن التدريب والتطوير المهني ليسا مجرد حق للموظفين، بل هما استثمار إستراتيجي للمؤسسة، يساهم بشكل مباشر في رفع كفاءة الأداء، وتحسين جودة العمل، وتعزيز الابتكار، كما أن التدريب يزيد من ولاء الموظفين وارتباطهم بالمؤسسة، مما ينعكس إيجابًا على سمعتها ونجاحها على المدى الطويل.
وتُشير التجارب العملية للشركات الناجحة، مثل شركة “مايكروسوفت”، والتي اشتهرت بثقافة التعلم المستمر والتدريب المكثف لموظفيها، هذا النهج ساهم في تطوير منتجات مبتكرة وتحسين أداء الموظفين، مما عزز مكانة الشركة كرائدة في مجال التكنولوجيا، وشركة “آي بي إم”، والتي تقدم برامج تدريبية واسعة النطاق لموظفيها في مختلف المجالات، هذا الاستثمار في رأس المال البشري ساهم في تحسين قدرة الشركة على التكيف مع التغيرات التكنولوجية والاقتصادية، وتولي شركة “سيسكو” كأحد الشركات الرائدة في مجال الشبكات أهمية كبيرة للتدريب التقني لموظفيها، الأمر ساهم في تعزيز مكانة الشركة كمزود رائد للحلول الشبكية.
إن التدريب والتطوير المهني ليس مجرد رفاهية، بل هو استثمار حيوي في رأس المال البشري، يجب أن يكون هذا الاستثمار متاحًا لجميع الموظفين على قدم المُساواة، ويهدف إلى تعزيز الأداء والإنتاجية والابتكار، كما أنه يُمثل وسيلة فاعلة لتمكين الموظفين وتطوير قدراتهم، مما يُساهم في مُواكبة التطورات التكنولوجية المُتسارعة.
يعتبر التدريب المُستمر حجر الزاوية في بناء مؤسسات قوية وناجحة، فهو لا يقتصر على تطوير مهارات الموظفين، بل يساهم في خلق بيئة عمل مُحفزة ومُبتكرة، تعزز الابتكار والإنتاجية، وينظر إلى بيئة العمل التي تشجع على التعلم المُستمر على أنها بيئة حاضنة للإبداع والتميز، لذا يجب على المؤسسات تبني سياسات تدعم تطوير مهارات موظفيها، مما يُساهم في تحسين أدائهم وسلوكياتهم في العمل، وزيادة إنتاجيتهم وولائهم لمؤسساتهم، فمن خلال الاستثمار في رأس المال البشري، تستطيع المؤسسات تحقيق ميزة تنافسية مُستدامة.