ثورة أول نوفمبر في الشعر العربي المعاصر
اندلاع ثورة نوفمبر حدث عالمي عظيم أعطى أملا للشعوب التواقة للتحرر من بطش المستدمر الغاشم وكيف لا ؟ وفئة آمنت بربها و تشبعت بقيم دينها أيقنت أن الوسيلة الوحيدة التي يفقهها العدو هو حمل السلاح والذود عن حياض الوطن فالاتفاقيات و النضال السلمي والمطالبة بالحقوق كل هذا لم يجد نفعا فكان صوت الرصاص يعلن عن ميلاد جيل ثوري جديد زعزع أركان فرنساوهذه الثورة العظيمة كان لها صدى لدى الأدباء والشعراء العرب في العراق و سوريا وفلسطين والسودان ومصر فكتب الشعراء قصائد تلتهب بالأشواق و الأحاسيس الصادقة التي تعبر عن مساندة هذا الشعب الأبي الذي تكالبت عليه قوى الشر والظلام وقد جمع الكاتب والديبلوماسي الجزائري عثمان سعدي هذه القصائد من مختلف الدول العربية التي اشتغل فيها سفيرا وجمعها في كتاب قيم طبع في ثلاثة مجلدات جمع فيها 468 قصيدة وطبع الكتاب من 2021صفحة سنة 2014 بدار الأمة ..
يقول الديبلوماسي عثمان سعدي
“ومحمد مهدي الجواهري في عينيته ذات المائة بيت يعتبر فرنسا التي تزعم أنها تنشر القيم بالعالم فاجرةً تعلق صورة المسيح على سريرها، لأنها هدمت سجن البستيل رمز العبودية بفرنسا، لكنها بنت بساتيل في الجزائر:
لكِ الويل فاجرةً علّقـتْ صليبَ المسيح على المِخدعِ
تهدّم بستيلَ في موضعٍ وتبني بساتيلَ في موضــعِ…٠
وهذا سياسة العدو بل الغرب المنافق الذي عنده ازدواجية في الحكم على الأشياء فهو يدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان أما في تعامله مع الشعوب المستضعفة ينسى تلك المبادئ التي يتغنى بها كذبا وبهتانا..
وفي قصيدة أخرى يخلد حادثة اختطاف و قرصنة فرنسا طائرة القادة الخمسة وهي تظن أنهاستقضي على الثورة وتنهيها باعتقال قادتها وهي تجهل أن هذه الأرحام التي أنجبت القادة ستنجب غيرهم فهي ليست عقيمة و أن هذه الأمة خلقت لتبدع، أمة حيّة قادرة على الدفاع عن نفسها ، يقول الجواهري :
“أمةٌ سوف تُري خالقهـا أنها قد خُلـقت كي تُبـدعا
جزرُ المغرب يا أسطورةً تُلبس الأهوالَ لونا ممتعـا
الأذى تدفع عنه بالـرّدى طاب أسلوبا لها مبتدَعــا
خمسةٌ إن بطونا حملـتْ ثِقْلَهم ما عُقمتْ أن تضعـا
جهِل الصّنعةَ نِكْسٌ أحمقٌ سرِق الباب وعاف المصنعا”
ويحدثنا الكاتب والديبلوماسي عثمان سعدي عن الشاعرة العراقية صبريّة الحَسّو، التي قابلها في بغداد فروت له ما يلي: “في عيدٍ من الأعياد كنتُ مع زوجي وأطفالي نتمتع بنِعَم العيد، وفجأة انهمرت عيناي بالدموع، فصاح أطفالي لماذا تبكين يا ماما؟ فقلت لهم: تذكرت الآن كيف يقضي أطفال الجزائر العيد، ثم توجهتُ إلى المكتب وسحبت ورقة وقلما وحررت قصيدة عنوانها: هدية إلى أطفال الجزائر”، وهي قصيدة جميلة لا يمكن إلا أن تصدر عن امرأة وأمّ. تقول فيها:
“وهناك لا تنسَيْ صِغارًا
مثل طفلك يظمأونْ
للحبّ والدفءِ الحنونْ
ليدٍ ندِيّه
ليد, يقطّعه الحنينْ
شوقا فيعتصر البقيّه
شوقا فيهمس في خُفوتٍ
لو ضم طفلته إليه
كما يضم البندقيهْ
هي ذي هديّه
قُبلٌ نقيّه
من كل أمّ في العراقْ
تعيش في ألم الجزائرْ
قبلٌ نقية
قبلٌ لأطفال الجزائرْ”(1)
أما الشاعر الكبير محمد الحريري في قصيدته ” حانة فرنسية فجّرها مجاهد جزائري ” وهي عبارة عن نادي للجيش الفرنسي يصف فيه كيفية تجرع جنود العدو الخمور النسيان ما يلاقونه من المجاهدين الأشاوس ثم يحدث الانفجار،الذي دمر كل شيء يقول الشاعر محمد الحريري :
“وتنادى واحد بين الحضورْ
من هم الثوار حتى يملأوا منا القبورْ
آه لو جاءونا لنلقاهم هنا
آه لو… ثم تنادَوْا:
أيها الساقي اسقِنا
قطرة من أمْننا
لستَ تدري ما بنا
لحظةً وانتثر المقهى وطارا
إنها قنبلة جاشت دمارا
بثها زَنْدٌ خفيف الأُنملهْ
قد تهاوى من ربى مشتعله
فوق حشد دنِسٍ كي يغسلهْ”..
أما الشاعر الفلسطيني برهان الدين العبوشي فيصل الثورة الجزائرية، بأنها ثورة ضد الصهاينة وليس الفرنسيين فقط، يقول:
“حيوا الجزائر واذكروا أبطالها.**أيام ثاروا يفتدون جلالها
مليون ليث يعربي حلقوا**فوق العدو وحطموا أغلالها
يا ليت أمتنا تجود بمثلهم **لتذيق إسرائيل ما تنوي لها
يا بن الجزائر يا حفيد تراثنا **نجد بلادا قطعوا أوصالها
فانهض فتى وهران لب شقيقة **كن عمها في الكرب أو كن خالها
فابن الجزائر خير من عرف الفدا **وحمى البلاد يمينها وشمالها”(2)
فملة العدو واحدة فرنسي او صهيوني لأن الهدف واحد هو اغتصاب الأرض والقتل والتشريد و التكيل بالأطفال والنساء والشيوخ و الأسلوب الوحيد لردع العدو هو المقاومة لتحطيم الأغلال و التحرر من قبضة المستبد عدو الحياة..
وكثير من الشعراء السودانيين تغنوا بالثورة الجزائرية وعبروا عن مساندتهم لها وهذا الشاعر السوداني الكبير محمد الفيتوري واحد منهم يقول في قصيدته:
“فالثورة مازالت تكسو
قمة الأوراس وتسقيها.
والثورة مازالت تمشي
فوق جماجم جلاديه”
فيصف لنا الثورة كثلج يكسو قمة الأوراس ونحن نعلم أن الماء مصدر الحياة والخصب والثورة هي حياة الشعب و اخضرار للارض ومنبع الانبعاث بعد الموات والقحط فالثورة مستمرة تدمر العدو وتذيقه المرارة وتمشي فوق جماجم جلاديه…
وتعرض لنا د. سميرة بيطام نماذج لشعراء مصريين تغنوا بالثورة المجيدة فتقول : ” البداية لنموذج الشعر العربي من مصر الحبيبة فقصيدة عبد المنعم قنديل دماء و لهيب مجدت تضحيات المجاهدين إذ يقول في إحدى أبياتها:
أرض الجزائر..رب يوم لافح سالت لديك على ضحاه جهنم
و أتى المنون إليك يبسط كفه ثم انثني و أكفه تتألم
قد راعه أن الأجنة بعثرت و تكاد من آلامها تتكلم
لم تحفلي و الموت حولك جاثم و خطى اللهيب على ثراك تحوم…”
” في قصيدة للشاعر أحمد حسين عطا الله بعنوان موعد مع النصر صدح صوته ليقر بحقيقة زلزال جهادي هز أركان الاستعمار بقوله:
أبشري..أبشري فقد ضمك الفجر و ألقى على يديك البشائر
و تراءى التاريخ في وجهك الحر مضيئا كأنه وجه ثائر
البطولات مشرقات على هامك مثل الشخوص مثل المنابر
و الأزاهير أنبعت في روابيك العذارى و عانقتك الغدائر”
هكذا تغنى الشعراء العرب بالثورة المجيدة ثورة المليون ونصف مليون شهيد ويحق لكل شاعر حر في دول العالم أن يتغنى بها لأنها ثورة تحرير شعبية وهي نموذج عالمي ملهم لكل أحرار الأرض ولكل من يدافع عن قضيته ضد عدو غاشم مستبد متعسف….
* الكاتب: شدري معمر علي * الجزائر *
_____
المراجع :
1- عثمان سعدي ،. الثورة الجزائرية في الشعر العربي الحديث، جريدة الشروق (5-11-2018)
2- سهام بوعموشة،،الثورة الجزائرية في قصائد العرب : روح.نوفمبر تلهم شعراء الضاد، جريدة الشعب (7-9-2022).
3- د.سميرة بيطام،الثورة الجزائرية في شعر ومصر، جريدة أخبار اليوم (14-2-2019).