واحة الأدب

شدو لارين مابين رحلة عالم البشر للرحلة الروحانية

شدو لارين للكاتبة فتحية سيد الفراجى
استاذ الادب والنقد الفرنسى وعضو اتحاد كتاب مصر وعضو مجلس علماء ممصر
من اجواء الروايه
من فصلها الأول مع المايسترو الالكترونى ولقطات من حياة البطلة وبصمة القلبوعنوانها الجذاب ” ن

وصارت تلك اللحظة هي تلك النقطة المركزية، التي توسَطَتْ حرف النون، نقطة لها نفوذ، نقطة لها قوة، اندفعت بذاتها وكأنها حجارة أُلقيت في بحيرة ساكنة، فَخَّلَقت من حول تلك النقطة دوائر أكثر اتساعاً، لم تحملها إلى الأعماق، بل ولدّت فيها فضاءاتٍ بعيدة، وكأن كل حرف عين في الجبل كبيوت نيوزيلاندا، تكسو الخضرة أبوابها المستديرة، وعيون المياه التي على يمينها ويسارها.
ويعلو وجهها ضحكاتٌ رقيقاتٌ، مثل نسمات الفجر الطائر بين العنادل والكراوين.
إنها لوحة بألوان البينولي، إنها ليست الأسطورة اليونانية، شدو من العناديل والكراوين من أباطرة الحُب المنسي وسط أخاطب الجحود.
وتجمعُ حولها أباطرةَ الحُب ليسمعوا وينشدوا، وديمومة تغزل مشاعرها بين الانتظار وحلم الحُب، وتغزل لوحات من الأشجار التي لم تخترها الطيور لتُغَرد عليها، بينما أشجار مجاورة لا يقف عليها طير واحد؟، مع أن تلك الأشجار الأخرى كثيفة الأوراق وجميلة الملمح، لكن قلبَ العصافير الذي يختار أشجاراً يبني عليها أعشاشاً، وبداخلها كائناتٌ صغيرةٌ صفراء تخرج من أشكال بيضاوية، لا تملك نفس صوت العصافير كنبض الحُب في أوّل شهيقٍ وزفير.
طافت بحرف النون، وطافتْ بهذه الأنفاس بين الشهيق والزفير في وسط القبائل والعائلات، بين الزعران والحرارى والخزارى وآل زعلوك وأبو السيوطية وأبو ظارة وأبو زلاط وأبو حرازية وأبو محجور، حينما كانت بمرسي مطروح.
طافت تحت قباب الخيام، وظلت تطوف من شاطىء لشاطىء وتبحث في همس الخيام، تبحث عن تلك اليد التي قَبَّلَتها، ويترددُ في أذنيها: وَحَشَتْنِي لمسةُ عينيك أنتِ، ومع كسرة التاء انكسر شىءٌ ما بداخلها وتحاولُ تضميدها بفتحها وتنادى: أين أنتَ ؟
تبحثُ ما بين المَضيّفة وقرية خليج الكاسح وقرية شاطىء القصير، تبحث وتغوص أقدامها في كريستال مطروح وفي شاطىء أصيل في الأبُيّض وزمردته والبجعة والنورس والنخيل وخليج روميل.
تبحثُ وهي عروسُ بحرٍ بدون قشور سمكة، ولكن بأقدام أنثى لا يعنيها ذلك الكائن الذي يمشى على أربع، منعدم القدرة على ضم لسانه داخل فمه، فهو يمشي ولسانه خارجُ فمه، وخوفها لم يكن من اللُعاب الذي يسيل من ذلك الكلب، ولكن من حدة أنيابه التي تمضغ العظام، لاهثة وراء أحلام الفتيات عبر الشاشات في الشوارع.
بحثتْ ونزلتْ، حتى كهف الملح في تلك القرية البدوية، ولم تجلس فيه حتى لا يسحب تلك الطاقة والشحنة الأبدية، التي استمدتها من قُبلة في القلب ومسحة بالعين.
وفي وسط الملح ومن بعيد، تكتب كل حرف من اسمه، بلون مختلف بين الأزرق والأحمر والأخضر والبرتقالي، وتشير وكأنها تبحث في جوفه وجوفها عن المِداد، وتبدأ بآخر حرف وتنتهي بأول حرف، أي ليس على المعهود ومعها ورود حمراء، وقلوب وقبلات وإشارات تحومها ورود.
وصعدت من كهف الملح، وجسدها يتوافق مع الصعود، بينما الهبوط والنزول يتعارض مع سمو جسدها.
وخرجت كميلة من الكهف، وشعرت بالجوع وظلت تفكر فيما ستأكل، وظلت تقرأ قائمة الأطباق التي سيقدمها مطعم “ديستوبيا”، الذي يقدم أنواعاً كثيرة من اللحوم المعروفة والمألوفة وغير المألوفة، وأطباق الدجاج المتنوع.
وتذكرت قول ابن القيم: “كل من ألف ضرباً من ضروب الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه، وأخذنا من الدجاج المذلة والطأطأة وعدم التحليق”.
وظلت تردد لا يمكن أن أجرب لحم الإبل ولا الخيول، وبالطبع الخنزير والقرود، وتذكرت قول ابن خلدون: أكل العرب الإبل فأخذوا منها الغيرة والغلظة، وأكل الأتراك الخيول فأخذوا منها الشراسة والقوة، وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدياثة، وأكل الزنوج القرود فاخذوا حُب الطرب.
ما أجمل لحم الأغنام والماعز المشوي على الفحم، ولكني لا أشتهي الطعام في غياب حبيبى، وظلت تبحث عن مِداد حبرها الأحمر ليملأ سطور كلماتها المنحوتة في الصخور، وظلت الكلمات تُدوي في أُذنيها وتَنْحَتُ في وجدانها، كما تنحتُ الطبيعة في الزمن، وفي صخور عجيبة، تَنْحَتُ ببطء، ويسرع النحت صعوداً وهبوطاً، أسرع من أنامل قطرات وبخار البحر، وتتآكل رغم ضعفها وذراتها الكتل السمنية، وتصدأ الألواح الحديدية.
وَقَرّرَتْ أَنْ تأكلَ المردم، حتى تستطيع استكمال مسيرة البحث عن حبيبها الذي يتردد اسمه بداخلها، لم تطلب معه مكرونة جارية ولا أرز مبذر ولا أرز بواخ ولا مرزقة ولا مكمورة، التي تحتوى على خضروات: جزر، فاصوليا، حلقات بطاطس، حلقات طماطم، ولحم مسلوق.
قررت أن تأكل المَردم ولحم الضأن المطهي في أوان في بطن الرمال، وعلى شاطىء بحيرةِ تُحيطها الجبال، وجفونها كُثبان رملية ناعمة، تسدل عليها قصاصات مساء في نعومة الطحالب على الصخور.
وتتذكر حينما نظر إليها قائلاً: حينما أنظر في عينيك الصافيتين كأنما أنظر في مرآةٍ تعكس ما في القلب، وتتراقُص عيناهُ في نظرات أعينها، مثلما تتراقص وتتلالأ الأسماكُ فوق سطح أمواج البحر، متناغمة رشيقة لامعة فريدة، بعيدة عن الأسراب.
كلما أغلقتْ عينيها، ارتد إليها طرفها كانت نظراته تلاحقها، كتلاحق الأمواج، وتتلألأ الفرحة في عينيها، كتلألؤ كريستال الرمال، لا يستطيعان أن يمتزجا، إنه حُبٌ عذرىٌ، حُبٌ بلا شهوة.
وَتسْحَبُ الرمالُ أقدامَ القدر، وتعلو أصواتُ الأمواج فوق صوتها الداخلي، وتعلو نشوة الأحاسيس فوق كل الحروف.
وظلت تمتد ألسنة الجدران الملتهبة، وهي تبتعد وتبتعد عنها بقوة، حتى بحثت عن بيت بعيد، تمتد من نوافذه أيادي البحر، تهدهدها وتحنو عليها، وتضمها أصوات الموج في غياب الحبيب، وتغسلُ دموعَ وجهها، فتتطاير وتتناثر قُبلاتُهَا على جميع خلايا وجدانها، وتسكن صمتها وتعلو بأيديها تلك القطرات، وتتبخر في السماء وتهبط، وكأنها تغوص باحثة عن تلك القُبلات التي تسكن وجناتِهَا، ومسحت ذكريات كل القلوب التي قابلتها، ولم تألُ جهداً لتبحث عنها.
وفجأةً باغتتها موجةٌ، وطبعتْ قُبلةً على وجهها ولمسةً في عينيها، ولكنها لم تكن لمسةَ كميل، ذلك الْمحبُوبُ الغائبُ الحاضر، الذي أضناها البحثُ عنه، قُبلته ليس لها إلا قِبلته. وظلت تهذي أين أنت يا كميل…؟!.
وقُبلةُ الموجِ، رغم لوعتها، لكنها كانت قُبلةَ النجاة، تلاحقها لتستفيق وتفكر وترسم الطريق، وكفي بالأحلام أن تنطلق وعلى الصخور الخوف ينفلق.
إنه كميل الذي وَلَّدَ في نفسها الأمان، ومحا عنها مشاعَر الحرمان، وصار حارسُهَا من كل غادرٍ وجبان، إنه كميل الذي لمس قلبي ومسح عيني واحتواني بداخله بكل الدعوات.
وجلست أمام البحر وبين يديها الخطاباتُ والمظاريف، وتأملتْ كُلَّ الطوابع، وتلمست كل بصمات كميل في كل حرفٍ مكتوب، وهي تَشُمُّ رائحته ورائحة العطر الذي وضعه، وتتذكرُ لحظة خروجها من سُرادق العمر، واستفاقتها كاستفاقة أهل الكهف، وصارت تخشى من النوم الطويل. ولكن كل ما كانت تفعله أن تُغْمِضَ عينهيا لتستعيدَ بكاميرتها الداخلية صورةَ كميل، الذي لا تملكُ له غير الصورة الداخلية، وتغمض عينيها والبحرُ يهمسُ في أذنيها.
وترددُ كلماتِ الخطابات، وتردد لذاتِها: تَوّجتني الكلمات بأغلى النغمات، ورصعت قلبي، ومن بريقه صار الحُبٌ مرآة الذات.”
ومن العزف الفردى للمايسترو حتى وصول بطلة الرواية للياقوتة والسعى بين قطبي المغناطيس

وما أجمل صوت روح في الدعاء: يارب ارزقني القوة وأستطيع الوصول للصلاة داخل حجر إسماعيل عليه السلام…. وتجلس روح علي جبل المروة وتشعر بشيء يجذبها ويشدها. وتكرر:«إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ»(البقرة:158). وبكل اللغات كلمة واحدة “الله”، يناجون الله تعالى

زر الذهاب إلى الأعلى